إيران.. أحد المشكلات المُعقدة في حقيبة السياسة الخارجية التي سيرثها "دونالد ترامب" عند توليه فترة ولايته الثانية، خاصة وأن الجمهورية الإسلامية على أعتاب التحول إلى قوة نووية، إذ تواصل تقدمها في برنامجها الصاروخي القوي، فيما تراها الولايات المتحدة بمنزلة العقبة الرئيسية أمام هيمنتها على منطقة الشرق الأوسط.. تُرى، كيف سيحاول ترامب التعامُل مع هذا الملف الشائك؟
الإجابة على هذا السؤال ليست صعبة، ببساطة لأن ترامب لا يزال ثابتًا على خُطاه: سيعود ترامب إلى سياسة "الضغط القُصوى" التي انتهجها أثناء فترة ولايته الأولى. لقد أسفرت مساعيه آنذاك إلى زيادة الضغوط الاقتصادية على إيران من خلال توسيع العقوبات الأمريكية ضد الجمهورية الإسلامية وتشديد فرض العقوبات المفروضة على أرض الواقع. ولم يكن الهدف تغيير النظام، بل إجبار طهران على الحد من برامجها النووية والصاروخية الباليستية والحد من الدعم المُقدَم للميليشيات الإقليمية التي شكلت ما يسمى "محور المقاومة".
لا شك أن الضغوط القُصوى أضافت عبئًا على عاتق الاقتصاد الإيراني. لكنها فشلت في إجبار طهران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات وتقديم تنازلات. وحتى مع تعثُر اقتصادها وتقلص احتياطاتها الأجنبية، واصلت إيران برامجها النووية والصاروخية الباليستية، ووسعت دعمها لوكلائها الإقليميين، بل وشنت هجومًا صاروخيًا على قاعدة أمريكية في العراق في عام 2020.
ولكن، هل كانت حملة الضغط القصوى ستؤتي ثمارها لو أن إدارة بايدن أبقت عليها وسارت على خُطاها؟ في الواقع، يظن ترامب ذلك. لكن هذه الفرضية يتعين على المراقبين والحزبيين مناقشتها. والسؤال الآن، هل تنجح حملة الضغط القصوى في السياق الجيوسياسي الراهن الذي بات شديد الاختلاف؟
في الواقع، الأدلة على ذلك مُختلَطة. لقد أدت حروب إسرائيل ضد حماس وحزب الله، وسقوط نظام الأسد في سوريا، إلى إضعاف موقف إيران في المنطقة. وأصبح وكلاؤها أقل وأضعف مما كانوا عليه قبل ستة أشهر فقط. وعلاوة على ذلك، دمرت الضربات الجوية الانتقامية التي شنتها إسرائيل في أكتوبر الكثير من الدفاعات الجوية الإيرانية، مما تركها عُرضة لمزيد من الهجمات العسكرية. وربما يكون ذلك الضعف، إلى جانب المشاكل الاقتصادية الإيرانية والاضطرابات الداخلية، سببًا خلف تصريح وزير الخارجية الإيراني، مؤخرًا، بأن إيران تتطلع إلى استئناف المحادثات النووية.
وعلى الرغم من ذلك، ربما تستغرق استراتيجية الضغط القصوى بعض الوقت حتى تحقق مردودًا. وقد يكون هذا الوقت غير مُتاح، على الأقل إذا ما تعلق الأمر بالبرنامج النووي الإيراني. لقد كثفت إيران جهودها لتخصيب اليورانيوم بعد أن أنهى ترامب الاتفاق النووي لعام 2015 الذي تفاوضت عليه إدارة أوباما. ووفقًا لأغلب التقديرات، يمكن لإيران الآن بناء عدد محدود من الأسلحة النووية في غضون أسابيع من اتخاذ قرار عبور بوابة المرور النووية.
من ناحية أخرى، ستقوض القوى العظمى الأخرى سياسة الضغط القصوى: لقد تجنبت كل من الصين وروسيا العقوبات الأمريكية والعقوبات متعددة الأطراف القائمة على إيران أو تجاهلتها. ومن غير المرجح أن تَمتثِل لها الآن ما لم تَحصُل، في المقابل، على ضمانة مهمة من الولايات المتحدة. قد يكون ترامب غير راغب أو غير قادر على توفير هذه المغازلة السياسية. فإذا اعتقدت طهران أن بكين وموسكو تدعمانها، فإن المقاومة تصبح استراتيجية أكثر جدوى. وقد تستخدم طهران المفاوضات كوسيلة لكسب الوقت لمعالجة نقاط ضعفها.
وحتى إذا دخلت إيران في مفاوضات بنوايا حَسنة، ربما تتعثر جهود ترامب في تحديد الصفقة المُربِحة بالدرجة الكفاية. كما أن التنوع الأيديولوجي لفريقه، الذي يتألف من المتشددين والمؤيدين لأمريكا، يجعل من المحتمل أن يدور جدال حول ما تحتاج طهران إلى التنازل عنه لجعل الصفقة تستحق العناء. علاوة على إن الانقسام الداخلي قد يَنسف، من الأساس، الجهود الرامية إلى التوصل إلى اتفاق.
كل هذه الافتراضات تثير التساؤل حول ما قد يحدث إذا لم تبدأ المحادثات أو، وهو الأرجح، إذا تحولت إلى محادثات صفرية النتائج. ومن المتوقع أن تتعالى الأصوات الداعية إلى مهاجمة الولايات المتحدة للمواقع النووية الإيرانية إذا لم تسفر حملة الضغط القصوى عن نتائج سريعة. وقد يستجيب ترامب أيضًا إلى دعوات تُطالبه بتشجيع إسرائيل على مهاجمة إيران، على الرغم من افتقار إسرائيل إلى القدرة على تدمير المنشآت النووية الإيرانية الكائنة تحت الأرض.
من جهتها، ستقوم طهران بتقييم مدى استعداد "ترامب" لاستخدام القوة العسكرية، فضلاً عن تقييم القدرات العسكرية الإسرائيلية، بينما تفكر في قبول المفاوضات. إن القادة الإيرانيين على عِلم إن ترامب أمر باغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني في عام 2020، وتحدث أثناء الحملة الانتخابية عن تمزيق إيران "إلى أشلاء"، وقال إن إسرائيل يجب أن تقصف المواقع النووية الإيرانية. لكنهم يعرفون أيضًا أنه خاض حملة ضد "الحروب الأبدية" الأمريكية في الشرق الأوسط، بينما يتفاخر، هراءً، بأنه "الرئيس الوحيد خلال اثنين وسبعين عامًا" الذي "لم تكن لديه حروب". ولكن هل سينجح ترامب في مسعاه؟ يتعين عليهم أن يقيموا ما إذا كانت الجهود التي يبذلها عملاء إيرانيون لاغتيال ترامب، وهو الأمر الذي نفاه الإيرانيون، قد تؤثر على تفكير ترامب بشأن استخدام الخيارات العسكرية.
والواقع، إن اللجوء إلى القوة العسكرية، سواء من خلال العمل الأميركي المباشر أو من خلال تشجيع إسرائيل على الهجوم، سيكون بمثابة رمية نرد رئيسية. ربما ينجح بما يتجاوز أحلام مٌخططيه الجامحة ويٌبشر بعصر جديد أكثر سلمية في الشرق الأوسط. أو قد يفتح، مثل غزو العراق، صندوق بارود مشتعل يلاحق المنطقة والولايات المتحدة لسنوات قادمة. ولكن- وهذا أمر يستحق أن نضعه في الاعتبار دائمًا- لابد من استيعاب أن السماح لإيران بمواصلة برامجها النووية والصاروخية الباليستية وإعادة بناء محور المقاومة مسألة لها تداعياتها الخاصة .لذا، يمثل نجاح العودة إلى استراتيجية الضغوط القصوى ضرورة ماسّة في هذه المرحلة.
------------------------------
تحليل بقلم: جيمس إم. ليندساي
مركز أبحاث العلاقات الخارجية الأمريكية
عرض: شيرين ماهر
رابط مقال الرأي:
https://www.cfr.org/blog/transition-2025-what-will-donald-trump-do-about-iran