30 - 04 - 2025

أزمة الفنانين التشكيليين مع النقاد فى مصر

أزمة الفنانين التشكيليين مع النقاد فى مصر

تعانى الحركة التشكيلية والنقدية فى مصر من غياب الجمهور وعزوفه عن ارتياد المعارض وعدم الرغبة فى اقتناء أعمال الفنانين إما لغلو سعرها، وإما لعدم إحساس الغالبية العظمى بقيمتها. يرجع ذلك فى الحقيقة الى أسباب كثيرة سنتناول بعض منها فى هذا الموضوع الحساس، والذى دفعنى للكتابة فيه هو المفاجأة الغريبة من وجود ناقد فى لجنة تحكيم المعرض العام والمشكلة من تسعة أعضاء!!

 فى الوقت الذى يرى الفنانون أن هناك غياب نقدى يساعد على تثقيف الجمهور وتشجيعه لزيارة المعارض، ويزعمون عدم وجود حركة نقدية بالأساس. وفى الحقيقة يرى بعض النقاد أن الفنان هو المسؤول الأول عن عزوف الجمهور وعدم رغبته فى زيارة المعارض. هناك حقيقة غائبة يتجاهلها كل من الفنان والناقد. والحقيقة أن الفنان انشغل بتقييم الحركة النقدية وتصنيف النقاد الى فئات، بدلا من الإحتفاء بهم، ووصل الأمر الى الهجوم عليهم وإتهام الكثير منهم بأنهم دخلاء، ووصل الأمر فى تسعينيات القرن الماضى عندما شكلت مجموعة من النقاد جمعية لهم هى الجمعية المصرية للنقاد قام عدد من الفنانين برئاسة الفنان أحمد فؤاد سليم بعمل جمعية موازية تسمى "الأيكا" لوأد الجمعية الأولى والتى كان من رموزها مختار العطار وكمال الجويلى ومحمود بقشيش. فى حين أن النقد فى الفنون الأخرى كالسينما والمسرح مثلا متاح لمتذوقيه لا تقام عليهم الحدود مثلما يحدث لنقاد الفن التشكيلى الذين يتم تجاهلهم فى اختيارهم بلجان التحكيم بالفعاليات. وهذا دليل على عدم إعترافهم بالحركة النقدية وتضخم الذات فى تقييمهم وإستبعادهم لتزداد الهوة وتتعمق. فى الوقت الذى كان فيه مد وتواصل بين الفنانين والمثقفين عموما وكان يستعان برموز من المثقفين فى التحكيم فى ستينيات وسبعينيات وثمانيات القرن الماضى. الا أن القائمين على الحركة التشكيلية الآن لم يلتفتوا الى أهمية هذا الأمر واكتفوا بتوزيع الأدوار على الفنانين دون غيرهم وتمثيل هزيل من النقاد، وياحبذا لو كان فنانا يمتهن الكتابة من المقربين.

هذا الأمر الغريب الذى لا يحدث الا فى مصر وبعض البلدان التى تتخذ نفس المنهج. فى حين أن معظم دول العالم تعتمد على النقاد بالأساس فى لجان الفرز والتحكيم فى كل فعالياتهم مع رموز من كبار الفنانين. ليس هذا بالأمر الجديد، فقد تحصن الفن التشكيلى الغربى بكل مدارسه بآراء فلاسفة ونقاد لهم رؤية واضحة بأن تاريخ الفن مرتبط بمنهج البحث الاجتماعى كسائر المبتكرات الروحية، ففى فرنسا مثلا كان من مؤسسى الفن فنانون وفلاسفة وسياسيون ومثقفون، وكان ارتباط الفنان بالمثقف ضرورة. 

لوحة للفنان صلاح طاهر

استفاد من هذه التجارب فى مصر على سبيل المثال عبدالهادى الجزار وصلاح طاهر. ارتبط الأول بالمفكر الفنان حسين يوسف أمين الذى اختاره لعضوية جماعة الفن المعاصر التى تم تكوينها عام 1946، واستفاد الجزار من أفكارها وفلسفتها التى ارتبطت بأفكار فلاسفة وجماعات فرنسية. وكان طاهر بجانب علاقته بالموسيقى والرياضة مهتما بالقراءة ودراسة الأديان وارتباطه الوثيق بالمفكر عباس محمود العقاد، وأهمية المناقشات التى كانت تدور بينهما والتى أثرت فى رؤيته. وعلى الجانب الآخر هناك من أثروا مكتباتنا العربية بتأريخ ونقد الحركة التشكيلية ولم يتخرجوا من الكليات المتخصصة، فبدر الدين أبو غازى حصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة عام 1941، ومن مؤلفاته "مختار ونهضة مصر،خمسة فنانين معاصرين، الفن في عالمنا، الفنون والآداب (المسح الاجتماعي 1952 – 1980)" وثروت عكاشه تخرج من الكلية الحربية 1939، ودرس فى كلية الآداب حتى حصل على الدكتوراه في الآداب من جامعة السوربون بباريس 1960، ومن مؤلفاته "الفن الاغريقى، تاريخ الفن الرومانى، القيم الجمالية في العمارة الإسلامية"

    هذا الانغلاق المتعمد وتضخم الذات دفع المؤسسات الصحفية الى تقليص المساحات بوجه النقاد غير المعترف بحجمهم من قبل الفنانين، وخوف المتذوقين من الصحفيين من تناول الفن التشكيلى حتى لا يتعرضوا للنقد من الفنانين!! ابتعد المثقفون حتى عن إبداء رأيهم فى أعمال الفنانين تخوفا من أي إتهام. لقد وصل الخصام بين الفن والأدب مثلا إلى دعوة بعض الفنانين لعدم التعمق فى الأدب خوفا من التشويش والتأثير على حالتهم الإبداعية، والسؤال هنا ويجب الإجابة من هؤلاء عليه بصراحة. كيف يثقفون أنفسهم ومن أين؟ 

   من هنا أؤكد عدم انصلاح هذا الأمر إلا عندما ينال النقاد حقوقهم بإعتراف الفنانين بقيمتهم ووجودهم وإعادة النظر بجدية فى مشاركتهم الحقيقية فى لجان الفرز والتحكيم بالفعاليات حتى يتأكد دورهم وتحترم كلمتهم فى المؤسسات الصحفية وتعود لهم المساحات. فكيف يعترف بهم فى المؤسسات الصحفية، وأهل البيت يشككون فى وجودهم بالأساس.
---------------------------
بقلم: د سامى البلشي

لوحة للفنان صلاح طاهر

لوحة للفنان صلاح طاهر

لوحة للفنان عبدالهادي الجزار

لوحة للفنان عبدالهادي الجزار

لوحة للفنان عبدالهادي الجزار