05 - 05 - 2025

عجاجيات | الدرس السودانى.. حلو مر

عجاجيات | الدرس السودانى.. حلو مر

أعترف بأننى منذ زمن طويل وقعت فى غرام جارتنا وعمقنا الاستراتيجى السودان.. أحببت السودان وأنا استمع لكلمات أمير الشعراء أحمد شوقى فى قصيدته (السودان) التى لحنها وشدا بها العبقري موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب.. وأحببت السودان وأنا اقرأ باستمتاع (موسم الهجرة للشمال) للطيب صالح.. وأحببت السودان وأنا احضر أمسية شعرية فى معرض القاهرة الدولى للكتاب للشاعر محمد الفيتوري.. وأحببت السودان وأنا احلق مع كلمات الهادي آدم فى رائعة أم كلثوم (أغدا القاك)، وأحببت السودان وأنا أستمع لمطرب أفريقيا محمد وردي وخفيف الظل سيد خليفة وهو يشدو (المامبو سودانى) وأحببت السودان عندما وجدت من ينتصر لكلمة الشرف والديمقراطية، ويتنازل طواعية وبمحض إرادته عن كرسى الحكم، وأعنى به الرئيس السودانى الأسبق عبدالرحمن سوار الذهب رحمه الله. 

تعمق حبى للسودان خلال سنوات عملى فى صحيفة الجزيرة السعودية بالرياض، والتى كانت قوتها الأساسية من المصريين والسودانيين واللبنانيين والفلسطينيين إلى جانب السعوديين.. فى صحيفة الجزيرة زاملت مجموعة رائعة من الصحفيين السودانيين على رأسهم الطيب شبشة رحمه الله، وعلى ياسين، والخطاط الشهير حسن مختار، والمصور الصحفى عبدالباقى، واستمتعت بصحبة الصحفى عبدالرحمن زروق ليالى طويلة لإعداد صفحات جريدة الجزيرة المسائية التى كانت تصدر صباحا. 

خلال سنوات صحيفة الجزيرة بالرياض تعرفت على الأطعمة السودانية ومشروبها القومى خاصة على موائد الإفطار فى رمضان وهو (الحلو مر) الذى يمتاز بقدرته الفائقة على مقاومة الشعور بالعطش، فضلا عن كونه من فواتح الشهية، وخلال سنوات إقامتى فى أبو ظبى أحببت الشخصية السودانية أكثر من خلال علاقتى مع الصحفى والفنان السودانى صاحب الصوت المميز إبراهيم الحسن رحمه الله، والذى كان حاضرا فاعلا فى كل مناسبات السفارة المصرية ومكتبها الإعلامي، وتعمق حبى للسودان من خلال تشرفى باستقبال العديد من الوفود الإعلامية السودانية التى زارت الهيئة العامة للاستعلامات بحكم وظيفتى كنائب لرئيس قطاع الإعلام الخارجي، والمسؤول عن العلاقات مع العالم العربى وأفريقيا ودول الجوار. 

وتأكد حبى للسودان من خلال حكايات شقيقتي (فتحية) حفظها الله التى عاشت فى السودان مرافقة لزوجها عبدالغفار الديب سفير مصر الأسبق فى الخرطوم، والذى انتقل الى رحمة الله وهو فى هذا المنصب.. اطلعت على تأبين الإعلام السودانى لعبدالغفار الديب - الذى لم يكن فقط زوجا لشقيقتى فهو أخى وزميلى ودفعتى فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - وتأثرت جدا بعنوان إحدي الصحف السودانية: سرادق عزاء على امتداد نهر النيل لسفير مصر فى الخرطوم... 

وسعدت سعادة بالغة عندما رأيت البشر والحبور فى وجوه الأشقاء السودانيين رواد مسجد السلام بحدائق الأهرام، خاصة صديقى المهندس أحمد سليمان والمستشار القانونى محمد عبدالحميد والمبرمج الشاب هادي وهم يتبادلون التهانى بنجاح قوات الجيش فى دحر ميلشيات الجنجويد والدعم السريع فى ود مدنى بولاية الجزيرة.. وتلقيت وعودهم باستقبالى فى السودان ليس كضيف، وإنما كصاحب دار. 

أحداث السودان ووقائعها تعطينا العديد من الدروس، ومنها أنه ليس من الشهامة ولا من الأخلاق العربية والإسلامية تأجيج الفتنة بين الأشقاء والأخوة، ومد طرف بالمال والسلاح طمعا فى مكاسب اقتصادية حتى لو كانت (ذهبا) على حساب شعب شقيق، وعلى حساب أمنه واستقراره. 

ومن الدروس أن الوطن غال والوطن نعمة ينبغى الحفاظ عليها وينبغى أن نحمد الله عليها... 

ولعل أهم الدروس السودانية أن معظم النار من مستصغر الشرر، وأن السلاح ينبغى أن يكون فى يد جيش الدولة فقط، وينبغى التصدي لوجود السلاح فى يد أية مليشيات تحت أي مسمى أو أي تبرير.. الشعب السودانى الشقيق عاش أياما مرة من جراء ميلشيات الدعم السريع التى وجدت من يساعدها، طمعا فى خيرات السودان.. وأدعو الله أن يتم الله تحرير كامل السودان، وأن تعود أيامه الحلوة.. وأن يستمتع الأشقاء السودانيون بصيام رمضان القادم فى منازلهم والاستمتاع بمشروبهم المفضل "الحلو مر".
------------------------------
 بقلم: عبدالغني عجاج

مقالات اخرى للكاتب

عجاجيات | الرقص فى المترو