المتابع للسياسة الخارجية المصرية لن يجهده كثيراً قراءة ملامحها ومحدداتها ومن أهمها القراءة المتأنية جداً لكل حدث حد الملل وانتهاء مدة التفكير التي تخرجها من دائرة الفعل إلى مقعد المشاهدة، ثاني هذه الأمور أن كل الرؤى حيادية جدا وغير منحازة حتى لصالحنا على الأقل، ويقول الساسة في الغرب أن الحياد شيء قذر ومعطل، وقد قيل هذا أيام كتلة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز، أما وقد تغير العالم كثيرا وتغيرت مفرداته السياسية التي أصبحت أكثر وضوحاً، بل قل أكثر فجورا ولم تعد سياسة البطة العرجاء أو السلحفاة تجدي في عالم يتحرك بسرعة، وعليك التعاطي اللحظي مع الأحداث بحلول عاجلة، وعلى سبيل المثال ما يحدث في السودان وفي سوريا وليبيا واليمن.
أولاً ما حدث في السودان كانت ردة الفعل تجاهه بطيئة وضعيفة ولا تتناسب مع قوة الحدث، فهناك على الأرض أفراد وطائرات تابعة للجيش المصري وتعرضت للاعتداء، وهذا يستلزم تدخلاً عاجلاً وسريعاً بتوجيه ضربة جوية خاطفة لتجمعات حميدتي والاستيلاء على قاعدة مروى بعملية ابرار جوي لوحدات الكوماندوز المصرية، ناهيك عن تقديم الدعم اللوجيستي والعملياتي للجيش النظامي السوداني قبل أن يستفحل الأمر. صحيح أن بعضاً من هذا قد تم لكن بعد شهور، وقد كان الخصم قد فرض واقعاً جديداً على الأرض بعد حصوله على أسلحة وعتاد كبيرين من الكيان الصهيوني ودولة عربية الكل يعرفها .. ولم تعد عبارات مثل (مصر تنظر بقلق .. نحن ندعم الاستقرار .. نحن نرفض التدخل في شئون الدول..) وكلها عبارات لابد أن تذهب إلى الجحيم وتختفي من أدبيات السياسة المصرية .
تعال إلى سوريا وما يحدث فيها وأين مصر من هذا؟ هل هناك اتصال مع الفصائل المختلفة لقد أرسل الأوربيون والأمريكان والأتراك وبعض الدول العربية دبلوماسييها إلى دمشق لفتح منافذ للحوار، وما زالت مصر ترقب عن كثب ما يدور، صحيح أن مصر أرسلت طائرة مساعدات إلى دمشق لكن هذا ليس كافياً لبلد يتمتع بحب كبير في قلوب الشعب السوري، والأغرب ما ورد ببعض التسريبات عبر منصات إعلامية أن القيادة المصرية تشترط الاعتذار أولاً من الشرع على ما بدر منه تجاه مصر. ما هذا؟ هل تدار الملفات الساخنة بمثل هذه الطريقة من التراخي والتأجيل، ومتى تعرف مصر قيمتها في المنطقة والعالم؟ ولن أكرر ما قاله الإسكندر وبونابرت عن مصر وأهميتها، لكني انتظر الكثير، فمصر تملك رصيدا من الحب والاحترام لدى شعوب المنطقة، وهذا يؤهلها للاضطلاع بدور أكبر لحماية الأمن القومي المصري والعربي.
بقي لي أن أسجل إعجابي بسرعة التحرك غرباً لحماية الجبهة الغربية من سيناريوهات وتداعيات قادمة، وكل هدفها هو تكرار السيناريو السوري، لكن هيهات فلن يقبل مصري واحد أن يسقط بيده مؤسسات بلده، صحيح نحن نختلف كثيراً مع بعض الممارسات لكن يبقى الجيش جيش مصر والمؤسسات كلها ملك لهذا الشعب والرؤساء والحكومات راحلون والدولة هي الباقية.
همسة لمن يهمه الأمر .. تأخر رد الفعل يكلف أكثر ويصبح غير ذي جدوى
------------------------
بقلم: سعيد صابر