25 - 01 - 2025

أقوال مأثورة .. "سر في طريقك ودع الناس يقولون ما يشاؤون"

أقوال مأثورة ..

لفت نظري أن كارل ماركس اقتبس هذه العبارة من كتاب الكوميديا الإلهية للكاتب الإيطالي أليجييري دانتي في تصدير للجزء الأول من كتاب رأس المال. بالتأكيد ماركس لم يقتبس هذه العبارة دون أن يكون لها مغزى ما في مسيرته البحثية والفكرية ومشروعه لنقد الاقتصاد السياسي. كان ماركس يدرك أن قوة الأفكار وقوة الشخصية قد تستدعي ضغائن مكبوتة ليست في نفوس خصومه وأعدائه فقط، بل في نفوس القريبين جدا منه في دائرته الضيقة من الأصدقاء، فالنفس البشرية معقدة للغاية وتتحكم فيها عوامل يعمل مشروع علم النفس على فهمها.. 

إن الثمن الذي يدفعه المنشغلون في العمل العام في أي مجتمع من المجتمعات هو تطفل الصغار وضعاف النفوس على حياتهم الخاص واختلاق قصص من نسج خيالهم بخصوص أدق تفاصيل حياتهم وهذا أوجد رواجا لما يعرف بالصحافة الصفراء وكثيراً من الملاسنات التي نراها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وفي جلسات النميمة. وكلما ارتفع الشخص وزاد احترام الناس له وحرصهم على صداقتهم كلما ازداد المحيطون به الأكثر وضاعة والذين يقابلونه بابتسامة صفراء وباهتة حقدا عليه، فيختلقون قصصا حوله ويتمادون في دروس قتل الشخصية التي تعلموها جيداً في دهاليز الأجهزة التي تعمل بهذه الطريقة دون أن يطلب منهم أحد ذلك ودون توجيه من أي سلطة خارجية وإنما بتوجيه من نفوسهم الضعيفة وضحالة تفكيرهم وشعورهم بالانسحاق والانحطاط.. هذا جانب مظلم من شخصية المستهترين المدللين العاجزين عن العمل على أنفسهم وتطويرها والذين لا يأبهون لنتائج سلوكهم ويكونوا سبباً، عن وعي أو عن جهل، في تدمير حياة أناس من حولهم دون أن تهتز لهم شعرة، وأسهل شيء على من يتلاعب بمشاعر الناس ويستغلها أسوأ استغلال الخوض في أعراض الناس بحديث مفترى.. 

المشكلة ليست في هؤلاء وحدهم وإنما في الوسط المسموم المحيط بهم والذين يحرصون على رعايته وتنميته لأنهم عاجزون عن الحياة في بيئة نظيفة، الذي يجد فيه أشخاصا يتمتعون بما يكفي من السذاجة لترديد أكاذيبهم لأنهم لا يملكون شيئاً سوى ألسنتهم التي يجب أن تقطع لأنها تنطق دون تفكير فيما يقال لها ودون مراجعة أو تدقيق، وأفضل وسيلة لقطع هذه الألسنة التجاهل التام لهم ولما يقولون.

من هنا عظمة عبارة دانتي، ومن هنا عظمة الكتب وما تحمله من أفكار لا يستوعبها إلا ذوو الألباب، أما السعداء بجهلهم ومحدودية تفكيرهم والمعادون للثقافة والفكر، فيميلون إلى التقليل من أهمية الكتاب وما يحتويه من أفكار لعجزهم عن التعامل مع الكتب والأفكار، وضآلتهم، لكن الأخطر هو خواؤهم النفسي.. فالصحافة الصفراء والروايات الفضائحية تجد رواجاً لأن جمهورها من ضعاف النفوس وأنصاف المتعلمين والمملوئين غروراً كبيرا.. 

هذه الحكمة منذ أن قرأتها تعد دليلا مرشداً لي في مسيرتي، ومنذ أن اخترت العمل في المجال العام.. ومنذ أن كنت طالبا في مرحلة الدراسة الجامعية، كنت أعرف أن هذا ثمنا يتعين دفعه وإيماني بدوري ومعرفتي بنفسي وتصالحي معها، كان سلاحي الأساسي في مواجهة ضعاف النفوس القريبين والبعيدين على حد سواء.
-------------------------
بقلم: أشرف راضي 

مقالات اخرى للكاتب

ما بعد حرب غزة .. قوة حماس وضعفها