إذا أردت أن تعرف كيف تبدو مصر الحقيقية، فلا تنظر إلى صور الاحتفالات البراقة أو تصريحات المسؤولين التي تطفح بالوعود الجوفاء، بل استمع إلى صوت الطبقة العاملة. أنصت جيدًا لآهات العامل الذي لا يجد ما يكفي أسرته، ولدموع الفلاح الذي هجَر أرضه، ولحسرات الموظف الذي أصبح غريبًا في وطنه. مصر اليوم ليست مصر الكرامة والعدالة التي حلمنا بها. مصر اليوم هي وطن تُرك فيه أصحاب المهن الشريفة وحدهم يصارعون طوفان الفقر واليأس.
نحن نتحدث عن العامل الذي كان ذات يوم رمزًا للبناء والتنمية، الذي أُهين في مصانع أغلقت أبوابها وتركت وراءها عمالاً يقفون في طوابير البطالة. كيف تحولنا من دولة تنتج وتُصدر إلى دولة تستورد كل شيء؟ أين ذهب مجد الصناعات الثقيلة؟ أين مصانع الغزل والنسيج، التي كانت تتغنى بها الأجيال؟ لماذا تُرك العامل المصري وحيدًا في مواجهة الخصخصة الفاسدة، والتدهور الاقتصادي، والعجز الحكومي؟
نتحدث عن الفلاح المصري، الذي كان يومًا ما عمود الزراعة في هذه الأرض. كيف له أن يصمد وهو يعاني من ديون لا تنتهي؟ كيف له أن يزرع وهو لا يجد مياهًا تكفي؟ كيف له أن ينافس بينما تغرق الأسواق بالمحاصيل المستوردة التي تُباع بأرخص من كلفة إنتاجه؟ هذا الفلاح الذي كان ركيزة الأمن الغذائي لمصر، أصبح اليوم مُجبرًا على ترك أرضه والهجرة إلى المدن أو حتى خارج الوطن ليصبح مجرد رقم في قوائم العمالة المهجرة.
أما الموظف الحكومي، الذي كان يمثل استقرار الطبقة الوسطى في مصر، فقد انحدرت أحواله إلى مستويات مخزية. مرتبات بالكاد تكفي لدفع الفواتير الأساسية. نظام إداري فاسد يقتل الطموح ويدمر الإنتاجية. حياة من القلق المستمر بسبب التضخم الذي يبتلع كل شيء. كيف لعامل بسيط أو موظف متوسط الدخل أن يعول أسرته في ظل ارتفاع أسعار الغذاء والإيجارات والتعليم؟
لا يمكن أن نتجاهل معاناة الزملاء الصحفيين، أولئك الذين يكرسون حياتهم لنقل الحقيقة وسط أجواء قمعية وموارد شحيحة. الصحفي الذي كان يعتبر لسان حال الشعب وحارس الحقيقة أصبح اليوم مكبلًا بضغوط مالية ومعنوية. مرتبات الصحفيين لا تكفي الحد الأدنى من متطلبات الحياة، بينما تُلقى على عاتقهم مسؤوليات جسيمة. الصحافة الحرة في مصر تعاني، وصحفيونا يواجهون التهديد، والتجاهل، وانعدام الدعم، مما يحرم الوطن من واحدة من أهم أدوات التنوير والدفاع عن الحقوق.
وفي المستشفيات، تجد الأطباء والممرضين يعملون في ظروف قاسية دون الحد الأدنى من الإمكانيات أو الأجور التي تليق بعطائهم. هؤلاء الذين يحمون حياة الناس أصبحوا يفتقرون إلى الحماية في حياتهم الخاصة. وفي المدارس، تجد المعلم الذي يُفترض أنه صانع الأجيال مضطرًا للعمل ساعات إضافية في وظائف أخرى لكي يتمكن من إطعام أسرته.
إن هذا الوضع البائس هو نتيجة مباشرة لغياب رؤية حقيقية لإدارة البلاد. حكومة تتحدث عن التنمية لكنها تهمل الإنسان. سياسات تنحاز للأغنياء وتترك الفقراء تحت رحمة الجوع والمرض. اقتصاد يعاني من التبعية للخارج ويُدار بعشوائية تفقده كل مقومات الاستقلال.
نحن بحاجة إلى ثورة شاملة تعيد بناء الاقتصاد المصري على أسس عادلة ومستدامة. نحتاج إلى إحياء الصناعة الوطنية، ودعم الفلاحين، وضمان أجور عادلة لكل عامل وموظف وصحفي. نحتاج إلى قوانين عمل تحمي حقوق الطبقة العاملة وتكفل لهم الحياة الكريمة. نحتاج إلى دولة تعيد للصحفيين مكانتهم، وللعمال كرامتهم، وللموظفين استقرارهم.
لن يكون الحل سهلًا، ولن يتحقق بين ليلة وضحاها، لكنه يبدأ من الاعتراف بحجم الكارثة. يجب أن يتوقف النزيف الاقتصادي الذي يستهلك مقدراتنا. يجب أن نعيد توزيع الموارد بحيث تصل إلى من يستحقها. يجب أن نستثمر في الإنسان المصري، لأنه الثروة الحقيقية لهذا الوطن.
رسالتي لكل مسؤول، ولكل صاحب قرار، ولكل مواطن مصري يشعر بالانتماء لهذا الوطن. لا تصدقوا أن الفقر قدَرٌ محتوم، ولا تنخدعوا بالوعود الزائفة. الطبقة العاملة هي قلب هذا الوطن وروحه، ولن يكون هناك مستقبل لمصر إلا إذا أعدنا لها مكانتها. إذا استمرت معاناة العامل والفلاح والصحفي والموظف، فسنواجه كارثة لا يمكن تفاديها.
إننا هنا لنقول الحقيقة مهما كان الثمن، ولن نصمت حتى تتحقق العدالة. مصر لن تنهض إلا بسواعد عمالها، وقلوب فلاحيها، وأقلام صحفييها، وعقول موظفيها. هذه هي مصر التي نحلم بها، وهذه هي مصر التي سنظل نناضل من أجلها.
------------------------------
بقلم: محمد عبدالمجيد هندي
قيادى عمالي مستقل ، مؤسس ورئيس المجلس القومى للعمال والفلاحين تحت التأسيس