25 - 01 - 2025

شطحات أستاذ جامعى!

شطحات أستاذ جامعى!

هو رجلٌ أقرب إلى القِصر منه إلى الطول، دخل على طلابه، مُتأبطا حقيبة، اهترأ جلدُها من كثرة الاحتكاك، رث الثياب، انتعل فى رجليه حذاء انطفأ بريقُه، وتشقق جلدُه من قلة الورنيش.

على وجهه نظارة سميكة العدسات، اعتاد أن يُخفضها أسفل عينيه، كلما نظرَ إلى أحد طلابه، ويرفعها ثانية، حينما يشرع في القراءة.

في قاعة الدرس، جلس يقرأ على طلابه بلا توقف، دون أن تبرح عيناه الكتاب؛ خشية الارتباك، ففغرَ الطلابُ أفواههم؛ جهلا بما يقرأ، وكلما سأله أحدُهم توضيح ما غمض، وشرح ما أجمله قراءة، جاءت إجابته:

فى المسألة نظرٌ - بإخراج لسانه فى الظاء - وكلامٌ سنطرحه فى المحاضرة القادمة، التى تأتى دون أن يطرح شيئا، وهكذا دواليك!

هذه صورة حقيقية لأحد أساتذة الجامعة، المنوط بهم إثراءُ البحث العلمى، وتخريجُ طلاب يحملون مشعل التنوير لنهضة مصر؛ ولكن هيهات أن يحدث ذلك، إذ كيف ننشُد خريجا مُؤهلا علميا، تعلّم على يدِ أستاذٍ فقيرٍ علما وخُلقا، هيئة وهنداما؟!

إن نهضتنا مرهونةُ بالعلم،  ويُعدّ العالم والمتعلم فرسي رهانه، وإذا كان لزاما لنجاح العملية التعليمية أن يكون المُتعلمُ نبيها حريصا على التحصيل، فمن باب أولى أن يكون المُعلم مُؤهلا بالعلم، مُتشحا بمكارم الأخلاق، كما هو حال جُل أساتذتنا وعلمائنا في بلدنا الحبيب مصر، ولكن هناك قلة قليلة، هم مناط المقال.

بيد أنهم تسوّروا محراب العلم، ودخلوه من أبواب خلفية، إمّا لكونه ابن أستاذ جامعى، جاء مُجاملة لأبيه، وإما أنه عرف من أين تُؤكل الكتف، فأنفق ببذخ حتى يحصل على الدرجة العلمية، دون أن يكون مؤهلا لها بالفعل، وإما أنه صار أستاذا بـ (ضربة حظ)؛ لأنه حفظ الكتاب دون فهم (من الجِلدة للجلدة، وفرّغه في ورقة الإجابة، التي كثيرا ما يتم تصحيحُها بالشبر، وربما بالذراع)، وإما كذا وكذا، وهؤلاء - بكل أسف - قوّضوا بنيان العلم، وهدموا أركانه بأفعال وتصرفات تقتل البحث العلمي في مهده، وتخنق نبتته الغضة كلما همت تشق قشرة الأرض بحثا عن النور.

وحيث إنّ الأمر كذلك، فلابد من وقفة من المسؤولين عن التعليم الجامعى فى مصر، لكبح جماح الأستاذ الجامعى، الذى يعتبر بعضهم نفسه مع طلابه الحاكم بأمره، لا يجوز لأحد مُراجعته أو مناقشتُه فيما اتخذ من قرارات، حتى وإن كانت مُخالفة للوائح والقوانين.

والمؤسف أنّه فى ظل هذا النفوذ الطاغى لأستاذ الجامعة، توقف كثيرٌ من الطلاب، الذين طالتهم يد بطش أساتذتهم عن مسيرة البحث، بعدما تأكدوا أن مطالبتهم بحقوقهم نوعٌ من الحرث فى الماء.

نماذج صَلف الأستاذ الجامعى كثيرة منها - على سبيل المثال لا الحصر، وحسب رسالة وصلتني من بعض الباحثين - تكرار رسوب كل طلاب تمهيدى الماجستير بإحدى الجامعات على يد أستاذ اعتبر نفسه وحيد زمانه، فلم يفر أحدٌ من تجرع كأس الرسوب علي يديه، وأعاد السنة مرة ومرتين بسبب مادته اللعينة، وعند سؤاله عن سبب ذلك التعنت مع الطلبة، تأتي إجابته المستفزة بأنّ ذلك بغرض تعليمهم وتأهيلهم، فأيُّ تأهيل يقصد سيادته، سوى هدم العملية التعليمية، ولله المشتكى.

مثالبُ الأساتذة الجامعيين - يا سادة - اتسع معها الخرق على الراقع، ومنها تفضيلُ بعضهم الطلبة الوافدين الذين يدفعون بسخاء لنيل الدرجة العلمية، دون اعتبار للكفاءة، وإن  كان لهم العذر في ذلك لقلة دخلهم، مقارنة بوظائف أخرى، (يهبر) أصحابها عشرات، وربما مئات الآلاف، إلى جانب أنّ بعضهم يُفضل التسجيل مع (الجنس اللطيف)؛ ترطيبا لحرارة البحث العلمى، مع إهمالهم للذكور أو الجنس (الخشن)، دون التفات للجدارة والكفاءة.

هذا إلى جانب ترحيب كثيرٍ من الأساتذة بالهدايا العينية، وإلا تحجب عن الطالب الدرجة.

وبعض الآخر يطرح رسائل على الطلاب نظير مقابل مادى، ناهيك عن لصوص الموضوعات من الأساتذة، الذين يسرقون جهد الطلاب،  فيرفضون موضوعاتهم بحجة أنها بُحثت من قبل، ويقدمونها لآخرين كنوع من (المجاملة المقيتة)، والمقابل المادي السخي.

المثالب كثيرة، وتشوه ثوب أستاذ الجامعة ناصع البياض، مما يتطلب وقفة، بعد تحسين دخله أولا؛ لأن خطر هؤلاء الأساتذة ـ وإن كانوا قلة ـ  شديدٌ على البحث العلمى، الذى هو قاطرة التقدم، ومن المؤكد أنه إذا لم تُفعل قوانينُ محاسبة هؤلاء، فلن يكتمل بناءُ البحث العلمى، وصدق القائل:

متى يبلغُ البنيانُ يوما تمامه...... إذا كنت تبنى وغيرُك يهدمُ؟
--------------------------------
بقلم: صبرى الموجى
sabry_ [email protected]

مقالات اخرى للكاتب

الدين وفتاوى المُفلسين !