25 - 01 - 2025

طفل المزود المقمط بين الرسالة السامية وتحول التاريخ

طفل المزود المقمط بين الرسالة السامية وتحول التاريخ

تزامنت ولادة السيد المسيح مع بعض الأحداث الهامة في تاريخ العالم القديم، من بينها الحروب البونية بين الجمهورية الرومانية ومدينة قرطاجة التي انتهت بالتدمير التام لقرطاجة في عام ١٤٦ ق.م كما كانت هناك حروب أخرى وتوترات سياسية واجتماعية في الإمبراطورية الرومانية والمملكة اليهودية، وجاء الميلاد ليرسي أسس نمطية جديدة من العِلاقة بين شعوب المنطقة بعيدا عن تحكم السلطوية الرومانية، فقد كانت الحروب البونية سلسلة من الصراعات العنيفة وكانت مدينة قرطاجة، القوة البحرية الكبرى في البحر الأبيض المتوسط، خلال القرن الثالث والثاني قبل الميلاد وامتدت هذه الحروب على مدى عقود، وشهدت مواجهات بحرية وبرية شرسة، وكلا الطرفين بذل قصارى جهده للسيطرة على التجارة والبحر الأبيض المتوسط، فقد أدت انتصارات روما في هذه الحروب إلى تحويلها من قوة إقليمية إلى قوة عالمية، ووضعت الأساس لإمبراطورية رومانية ضخمة، فما أشبه اليوم بالبارحة، حينما تشهد المنطقه توترات بالمتوسط و أيضا البحر الأحمر وتعطيل الملاحه البحرية والضرر الاقتصادي الكبير لمصر، وهيمنة النفوذ الصهيوني وتغير الخارطة السياسية للمنطقة بشكل جذري، ولعلها ساهمت في تشكيل الإطار التاريخي الذي ولد فيه السيد المسيح، والذي كان يعتمد على القوة العسكرية.

فإن الصلة بين الحدثين تأتي بشكل غير مباشر من خلال الإطار التاريخي الذي ولد فيه المسيح، والتأثير الذي تركته الحروب البونية على العالم القديم، فلم يختلف كثيرا، وشكل مصر تزامنا مع ميلاد السيد المسيح، وكانت جزءًا من الإمبراطورية الرومانية، حيث انتقلت من عصر الفراعنة العريق إلى عصر جديد، وكانت مصر تتمتع بقدر من الاستقرار، شبيه بمرحلة انتقالية، حيث اندمجت الحضارة المصرية القديمة مع الثقافة الرومانية والهيلينية، هذا التنوع الثقافي والديني.

وكان المجوس الحكماء، تلك الكلمة الفارسية التي تفسر بأنها كهنة أو منجمين، وهم على عبادة اخري غير اليهودية لكنهم عرفوا الله، يهتمون بالبحث عن العلوم والفلسفة والفلك. وجاؤوا من شرق أرض فلسطين، واختارهم الله ليكونوا أول من يري ويلامس طفل المزود بغض النظر عن ثقافتهم أو دينهم، بل أظهر التناقض بين إيمانهم وتعنت الشعب اليهودي. وغطي المجوس احتياجات العائلة المقدَّسة في هروبها إلى مصر وعودتهم منها، أكثر من بني جنسهم الذين طلبوا نفس الطفل قبل ولادته وحقدوا عليه من قبل أن تري البراءة والمجد ملامح الدنيا. وكانوا حكماء من الشرق، يمثلون الحضارات غير اليهودية، وقدومهم يرمز إلى أن رسالة المسيح عالمية ساميه وليست مقتصرة على شعب إسرائيل فقط، بل تشمل جميع الأمم والشعوب.

واستوقفني "المر" من بين الثلاث هدايا الرمزية، الذي كان له خصائص طبية ومن ناحية أخري رمزا للملكيه، واستخدم في علاج الجروح والأمراض. وهذا يرمز إلى قدرة السيد المسيح على الشفاء الروحي والجسدي، بجانب النقاء والصفاء، وبالرغم انه يستخدم في أغراض العبادة الدينية، ولكن من الوهله الأولي حمل مر العالم و حوله الي بركه و خلاص، فكانت أكثر من مجرد هدية مادية، فهيأ الأجواء إلي التسامح الديني الذي كان محدودًا وقتها، ومهد الطريق الي الديمقراطية وحقوق الإنسان الذي ساوي بين الجميع وهو لازال في المهد، وغير التاريخ السياسي بعد ميلاده بعد ظهور الدول القومية ذات الحدود الجغرافية الواضحة.
--------------------------
بقلم: جورجيت شرقاوي

مقالات اخرى للكاتب

حريق منشية ناصر: بين الشائعات والحقائق.. لماذا تم الزج باسم البابا تواضروس؟