06 - 05 - 2025

الشاعر محمد الشحات.. غرب بجسده ولم يغرب إبداعه

الشاعر محمد الشحات.. غرب بجسده ولم يغرب إبداعه

رحل الشاعر الكبير محمد الشحات عن عمر ناهز السبعين عاماً بعد ثلاثة أشهر من الاحتفالية الكبرى التي عقدت بنقابة الصحفيين بمناسبة بلوغه سن السبعين، وقد ذهبت خصيصا من بلدتي "المنيا" لأشارك شاعرنا فرحته، وقد جاء النقاد والأدباء والصحفيون والمحبون من كل مكان في بر المحروسة "مصرنا الحبيبة"، وكان يوماً مشهوداً عرّج فيه النقاد على تجربته وعالمه الشعري. 

 وقد انتهزتها فرصة على هامش هذه الاحتفالية لأجرى مع الأستاذ الشحات هذا الحوار الذي حدثنا فيه عن رحلته مع الإبداع ومع الشعر وكيف بدأت هذه الرحلة وتشجيع مدرس اللغة العربية له وإرشاده بالنصائح والإخلاص لفن الشعر، كانت الرحلة شاقة وصاحبها الخطوب، كما وضح لنا كيفية التوفيق بين عمله في بلاط صاحبة الجلالة في مؤسسة أخبار اليوم وعمله الإبداعي ولم يثنه العمل عن الإبداع، فقد كان معطاءً إلى آخر أيام حياته رغم معاناته مع مرض السرطان فقد كان ينازله وينتصر عليه ويتحفنا بأشعاره الجميلة إلى أن باغته المرض وانتصر عليه في النهاية.. رحم الله شاعرنا الكبير واسكنه فسيح جناته..  

*متى بدأت رحلتك مع الإبداع؟

- بدأت رحلة الإبداع عندما كنت أقوم بتسلية نفسي من طول الطريق، ولتخفيف ما أحمله على كتفي أو رأسي من أحمال وأثقال من احتياجات البيت وأشياء أخرى، ذلك بأنني كنت أردد بيني وبين نفسي كلمات مغناة، لا تنتمي للأغاني المعروفة المشهورة ـ فكانت تخرج من كلمات مموسقة، وكنت أمارس تلك العادة بيني وبين نفسي عندما أجلس إليه، وكبرت معي.

*ولماذا اخترت الشعر؟

- حين كبرت بدأت نغمات تدور في رأسي وصدري بكلمات مغناة، فبدأت في عملية كتابتها وتدوينها، وكان مدرس اللغة العربية في المدرسة الاعدادية إلى جانب عدد من زملائي المقربين، يثنون عليّ، وقد كان هذا المدرس يجعلني دائماً في حصص النصوص أقوم بإلقاء الأبيات الشعرية المقررة علينا، ونصحني على اعتباري من سكان حي السيدة زينب الشعبي بالتردد على سور بيع الكتب القديم، وكان يقع على بعض خطوات من الحارة التي أسكن فيها، وهناك بدأت اقتناء الكثير من الكتب وقراءتها، وكانت تعقد ندوة كل يوم جمعة عقب الصلاة يتردد عليها شعراء متمرسون يقطنون في حي السيدة أو ضيوف السور ممن جاءوا لاقتناء الكتب، ومن هنا بدأت الدخول إلى هذا العالم السحري، كنت مستمعاً فترة طويلة إلى أن تشجعت وألقيت أول قصائدي، وشعرت في عيونهم وكان بينهم شعراء ونقاد بالثناء على قصيدتي، ومن ندوة سور السيدة إلى ندوات دار الأدباء بشارع القصر العيني القريبة أيضاً من بيتي، إلى مبنى كلية دار العلوم القديمة، حيث التقيت بجماعة الشعر، إلى قصر ثقافة قصر النيل، إلى ندوات مقاهي القاهرة خاصة مقهى (استرا)، وجدت نفسي بعد سنوات جزءا من الحركة الشعرية، حيث قمت عام 1974 بإصدار أول أعمالي من دار نشر كان مقرها بالسيدة زينب أيضاً اسمها دار الحرية، وكنت أبلغ من العمر عشرين عاما.

* هل مارس محمد الشحات إبداعه من بوابة صاحبة الجلالة أم العكس؟

- قيل بأن "الصحافة مقربة المبدعين" هذا صحيح، وبعد عملي في مؤسسة "أخبار اليوم"، وبسبب ما يتطلب العمل الصحفي من جهدين عقلي وجسدي، وكأن شيطان الشعر قد غضب عليّ فبعد ديواني السادس "كثيرة هزائمي" الصادر عن سلسلة "أصوات أدبية" بهيئة قصور الثقافة عام 1996 توقفت تماماً عن كتابة الشعر، واستمر هذا التوقف 17 عاماً الى عام 2011 حين أصدرت ديواني السابع "المترو لا يقف في ميدان التحرير"، ولكنني ولحسن حظي أنى كنت أكتب في "الأخبار"، و"أخبار اليوم" قصصاً إنسانية عن حالات أسبوع الشقاء وليلة القدر، فكان تخرج موضوعات صحفية في ثوب إبداع أدبي قصصي، واستمر لسنوات طويلة إلى أن عدت مرة أخرى إلى الشعر.

* من رحم الألم يولد الإبداع هل توافق على هذا الرأي وتجربتك في هذا المجال؟ 

- نعم أنا أتألم، بل أبكي مع كل قصيدة أكتبها، وإن لم أصل إلى ذروة المعاناة لا أكتب الشعر خاصة وأن كل قصائدي ممزوجة بالهم الإنساني وما يتعرض له من مشكلات..

* من أين يستمد الشاعر محمد الشحات موضوعاته؟

- أنا استمد شعري من تجاربي الخاصة وتجارب الآخرين وكل الشخوص المحيطة بي، فأنا مهموم بهم تجدني أكتب عن السقا، والنجار، والصياد، ولاعب السرح، وضاربة الودع، وبائع العطر، الدراويش، والنساك، ونماذج بشرية كثيرة تجدني مهموما بهم.

* عشت فترة منقطعا وجافتك ربة الشعر، حدثنا عنها؟ 

- بعد أن صدر ديوان السادس "كثيرة هزائمي" عن قصور الثقافة 1996 وقبله بعام "مكاشفة" عن هيئة الكتاب، لم يكتب أحد عنهما حرفاً واحداً، رغم أنني أعرف بأنهم أعمال شعرية جيدة الأمر الذى دفعني بهجرة الشعر فقلت كفى ما كتبته..

* كيف وفقت بين عملك في الصحافة وفي عالم الأدب؟

 -للآسف لم استطع التوفيق بينهما، ولكني كنت صحفياً بروح شاعر، وهو ما ظهر في التحقيقات الإنسانية التي كنت أكتبها عن بشر حقيقيين، واستطعت أن أغير من خلال هذه التحقيقات قانون الأحوال الشخصية، الذي كان لا يسمح بحصول من تتزوج رجلاً خرج على المعاش وتوفي لا تحصل على شيء.

 *هل نحن نعيش زمن الرواية وهل ولى زمن الشعر؟ 

- نحن نعيش في زمن الابداع، في الشعر دائماً موجود وحاضر حتى في القصة القصيرة والرواية، نعم هو يمر بوعكة صحية بسبب هجر النقاد له، وما أحدثه الشعراء أنفسهم في الكتابة الشعرية الموحشة والغريبة انفض من حولهم الجمهور لكن سرعان ما عاد من الشعر الجيد، وأعتقد أن مقولة "زمن الرواية" مقولة ظالمة وأطلقت لأغراض خبيثة، لأن الشعر سيظل محافظا على ذاكرتنا مهما حاول البعض النيل منه .
---------------------
حوار: أبو الحسن الجمال 
* كاتب ومؤرخ مصري