05 - 05 - 2025

العدل أساس الملك.. ولا كرامة للوطن دون إنصاف المواطن

العدل أساس الملك.. ولا كرامة للوطن دون إنصاف المواطن

مصر هي الروح التي تنبض في عروق كل مصري، وهي الأرض التي نفتديها بأرواحنا دون تردد. حب الوطن ليس مجرد شعارات نتغنى بها، بل هو مسؤولية تفرض علينا العمل الجاد لإرساء دعائم العدل والمساواة وترسيخ قيم الانتماء الوطني. مصر تستحق الأفضل، وشعبها العظيم يستحق أن ينعم بالكرامة والعدالة الاجتماعية التي هي الأساس الحقيقي لبناء مجتمع قوي ومستقر.

نحن نؤمن بأن بناء الإنسان المصري القادر على مواجهة التحديات هو الخطوة الأولى نحو نهضة الوطن. ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك إذا كانت الأسرة المصرية تعاني من ضغوط اقتصادية خانقة؟ كيف يمكن أن نبني جيلاً واعيًا ومسؤولًا إذا كانت احتياجاته الأساسية غير ملباة؟

الحقيقة المرة التي لا يمكن إنكارها هي أن دخل الأسرة المصرية، حتى لو بلغ عشرة آلاف جنيه شهريًا، لم يعد كافيًا لتلبية أدنى احتياجاتها في ظل ارتفاع الأسعار الجنوني الذي طال كل شيء. أسرة مكونة من أربعة أفراد تعيش اليوم تحت وطأة أعباء لا تُحتمل. الطعام، المسكن، التعليم، الصحة، وحتى المواصلات، كلها أصبحت كابوسًا يطارد المواطن البسيط. هذه الأرقام التي قد تبدو للبعض معقولة على الورق، هي في الواقع بعيدة كل البعد عن تلبية احتياجات الحياة الكريمة التي يستحقها كل مصري.

ومع ذلك، نجد أن الحكومة تنفق المليارات على جوانب ليست ذات أولوية، بينما يئن الشعب تحت وطأة الفقر والعوز. هل يعقل أن تُخصص ميزانيات ضخمة لمرتبات ومزايا كبار المسؤولين، في حين أن ملايين المواطنين لا يجدون ما يكفي لسد احتياجاتهم الأساسية؟ هل يمكن للوطن أن يتقدم بينما تتسع الفجوة بين القلة التي تنعم بالثراء والامتيازات، والغالبية التي تعيش على حافة الفقر؟

إننا لا نعارض الدولة، ولا نحيد عن دعم مؤسساتها. بل على العكس، نحن نؤمن بأن قوة الدولة تبدأ من قوة مواطنيها، وأن استقرارها لا يتحقق إلا بالعدل والمساواة. ومن هذا المنطلق، ندعو إلى مراجعة جادة وحاسمة لهيكل الإنفاق الحكومي. يجب أن تبدأ الدولة بنفسها، فتخفض مرتبات ومزايا أعضاء مجلس النواب والشيوخ والوزراء والمحافظين والمستشارين، وتقلص الإنفاق على الوقود والمخصصات الفارهة. هذه الأموال يجب أن تُعاد توجيهها لدعم محدودي الدخل ورفع الحد الأدنى للأجور إلى مستوى يتناسب مع متطلبات الحياة اليومية، بحيث لا يقل عن عشرة آلاف جنيه شهريًا، مع وضع خطط عاجلة لضبط الأسعار وتحقيق استقرار السوق.

لكن رفع الأجور وحده ليس كافيًا. لا بد أن تترافق هذه الخطوة مع سياسات اقتصادية جادة تهدف إلى تعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد. يجب أن نعيد بناء الاقتصاد على أسس قوية تضمن خلق فرص عمل حقيقية وزيادة دخل المواطن. لا يمكن للوطن أن ينهض بينما يعتمد اقتصاده على الاستيراد وإهدار موارده في مشروعات لا تخدم الشعب.

نحن نعلم أن البعض قد يحاول تشويه هذه الدعوة أو وصفها بالخروج عن النظام. ولكن الحقيقة أن هذه المطالب ليست خروجًا على أحد، بل هي تعبير صادق عن حبنا للوطن وحرصنا على مستقبله. إن السكوت عن الظلم والإهمال هو الخيانة الحقيقية للوطن، أما المطالبة بالعدل والإصلاح فهي واجب كل مصري مخلص.

إن مصر تحتاج اليوم إلى وقفة جادة مع النفس، إلى قيادة تسمع صوت الشعب وتستجيب لمطالبه. لا يمكن أن نقبل باستمرار الوضع الراهن الذي يدفع بالملايين إلى حافة اليأس، بينما تُهدر الموارد في أمور لا تعود بالنفع على المواطن.

رسالتي اليوم واضحة وصريحة: إن العدل هو أساس الملك، ولا يمكن أن يتحقق الاستقرار دون عدالة اجتماعية حقيقية. لا كرامة للوطن إذا كان أبناؤه يعانون، ولا قوة له إذا كان شعبه يعيش في معاناة مستمرة.

إن مصر وشعبها يستحقان الأفضل، ولن يتحقق ذلك إلا بإجراءات جادة تعيد التوازن والإنصاف. نحن لا نطلب المستحيل، بل نطالب بحقوق أصيلة كفلها الدستور والمواثيق الدولية. إن العدل ليس شعارًا، بل هو مسؤولية، ومسؤولية القيادة هي ضمان تحقيقه لكل مواطن.

لن نبني مصر القوية إلا إذا كنا جميعًا على قدر المسؤولية، قيادة وشعبًا. لا مجال اليوم للتهاون أو التردد. مصر بحاجة إلى كل يد تبني، وكل عقل يُفكر، وكل قلب ينبض بحب الوطن. ونحن نقف هنا لنقولها بوضوح: نحن لا نخشى قول الحق، ولن نتردد في المطالبة بالعدل، لأن حب الوطن ليس شعارات فارغة، بل هو عمل وإصلاح وبذل وعطاء.

إن شعب مصر العظيم كان دائمًا صمام الأمان لهذا الوطن. ومهما كانت التحديات، سيظل هذا الشعب قادرًا على النهوض والانتصار. ولكن لتحقيق ذلك، علينا أن نبدأ بإعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة، وهذه الثقة لن تتحقق إلا عندما يشعر المواطن بأن صوته مسموع، وأن حقوقه مصونة، وأن معاناته محل اهتمام حقيقي.

مصر قوية بأبنائها، ولن تنكسر أبدًا. ومعًا، سنبني وطنًا يليق بتضحيات هذا الشعب العظيم.
--------------------------
بقلم: محمد عبدالمجيد هندي
* قيادي عمالي مستقل، مؤسس ورئيس المجلس القومي للعمال والفلاحين تحت التأسيس

مقالات اخرى للكاتب

يوم الشهيد.. ملحمة الوفاء وتاج العزة للوطن