أُتابع على أحد مواقع التواصل بعض الشبان المصريين المهاجرين أمريكا، وهو يعرض كل حين سؤالًا يرسله له بعض متابعيه ثم يجيبه فى مرئية قصيرة دقيقةً أو نحوَها، ولقد أرسلت له إحدى المتابعات تقول: "ارجع مصر" فأجابها: "ارجع مصر، هههههه، يا عم ده أنا لما حد بيخبط فيَّا هنا بيعتذرلى! هههه، الممرضة وأنا فى الطوارئ بتديلى الحقنة بتقولى أنا آسفة الحقنة بتوجعك! هههه ارجع فين بس وحِّدوا الله هههه"
فألقى جوابه هذا فى نفسى حسرات وخطرات وأمنيات رأيت أن أضعها فى مقالى هذا، وأول شىء أن نضرب الذكر عن ضحكه وسخريته ولتكن عنايتنا إلى ما عَرَّض به من الأخلاق والآداب المهجورة عندنا، أعلم أنه ما من أحد يهاجر من بلده إلى بلد آخر لأن أهلها يعتذرون عند التزاحم والتدافع أو عند وخزة الحقنة، فما يحمل الناس على هجرة أوطانهم ومفارقة أهليهم أمور أكبر شأنًا من هذا، لكن المثل الذى ذكره كان كمرآة عكست إلىَّ عيوبى، وحملتنى أن أرجع النظر فى خُلُقنا وخصالنا لإصلاحها وتقويمها، فنحن وإن مدحنا أنفسنا أو مدحنا بعض ضيوفنا السائحين فإن فى أخلاقنا غير قليل من الجفاء والوقاحة نواريها أحيانًا بشىء من الدعابة والمزح وكثيرًا ما نلقيها صريحة غير مستترة، تجد ذلك فى حديث السائق للراكب، وفى حديث الحِرَفى إلى مستخدمه، وفى منطق موظف الشباك إلى طلاب الخدمة، وفى كلام المعلم إلى المتعلم، وفى لفظ الابن إلى أبويه وإخوته!
فإن كان أخانا صاحب المرئية قد امتدح فى الأمريكان أنهم يحسنون التأنق فى المنطق، فذلك لأن هذا التعامل إنما هو من مقتضيات الوظيفة، ومما يوزن به عمل الموظف والموظفة، ومن موجبات زيادة أجره أو نقصانه، فإن كان الخواجة يصنع هذا لأنه من موجبات المال والأجر فإن التبسم، وإفشاء السلام، وإدخال السرور، ولين الكلام، وطلاقة الوجه فى ديننا من موجبات الجنة، وهو فى الدنيا من موجبات الأُلفة والقبول وتفريج الكربات، فلقد قال أهلنا قديمًا: "الكلمة الزين تسد فى الدين"، فنحن أحق منهم بحسن الخُلق وإلانة الجانب لأهلنا وجيراننا ولخُلطائنا ولمن عرفنا ولمن لم نعرف.
-------------------------------
بقلم: محمد زين العابدين
[email protected]