غني ابو خليل القباني جد الشاعر السوري الجميل نزار قباني ، أثناء هجرته في مصر ، وهو يداعب أرض بلاده البعيدة قائلا :
يا مال الشام يا الله يا مالي
طال المطال يا حلوه تعالي
وقبل سنوات ، كنت مع زوجتي - شفاها الله - نتأهب أن نغادر بالسيارة ، منطقة إنتظار سيارات في مول كبير .
اقترب فتي سوري لا يزيد عمره عن 12 عاما ، يبيع صحونا للحلوي.
اشتريت منه صحنا ، وعندما هممت بمحاسبته ، أشارت زوجتي أن اشتري منه أكثر ..فاشتريت خمسة صحون ، ودفعت له ثمن عشرة صحن ، بناء علي تلميح من زوجتي.
رفض الفتي بشدة أن يتقاضي ما يزيد علي الثمن الحقيقي ( وهو زهيد في الواقع ) ، رغم أن زوجتي تدخلت في المحاولة ، وأمام إصراره طلبت منه أن يعطينا صحونا إضافية بما تبقي ، إلا أن ما تبقي معه كان ثلاثة صحون فقط ، وأصر بلا أي مهادنة أن يعيد لي ثمن صحنين .
وبينما كنا نغادر المكان ، تأملت إليه في مرآة السيارة الخلفية ، كان يقبل يده ، ويرفعها إلي رأسه وهو يشكر السماء .
قلت لزوجتي ، هذا الشعب الكريم ذو الكبرياء شرده الجبابرة إلي كل أقطار الأرض .
اليوم ، يجب أن نبارك عودة هذا الشعب إلي عرينه وموطن آبائه الذين كانوا مشاعل نور للمنطقة كلها ، ونصلي من أجل نجاحهم .
لدي ثقة في أن هذا الشعب الذي اعرفه جيدا ، سوف يخيب ظن الحاقدين الأغبياء ، ففي الشام كان بعث القومية ، وكان نور الدين زنكي يرسل أحد قواده صلاح الدين إلي مصر كي تتعاون مصر والشام وتطرد الظاهرة الصليبية ، وفي الشام ازدهرت الآداب ، وصدروا المسرح والصحافة ، ومن الشام صدحت القدود الحلبية ، وفنون الارابيسك والنسيج والسجاد ...وأكثر من ذلك ، تجسد في الإنسان السوري المتحضر ..
أرجو أن يمتنع المضللون الذين يقتاتون بالفتن ، ويستمتعون بالسباحة في مستنقعات الفساد والإستبداد ..
اصمتوا ... وراقبوا شعب سوريا الحر .. وتعلموا بعض الأدب.
---------------------------
بقلم : معصوم مرزوق
* مساعد وزير الخارجية السابق