05 - 05 - 2025

خارطة الطريق.. "بين وعود الإصلاح ومعاناة شعب مصر"

خارطة الطريق..

بعد مرور أكثر من عقد على إسقاط حكم الإخوان (الإرهابية)، تظل خارطة الطريق التي وعدت بها القيادة السياسية في مصر محطة رئيسية للتساؤلات والمراجعات. فبينما شهدت البلاد خطوات إيجابية مثل صياغة دستور جديد وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، بقيت الانتخابات المحلية معلقة، وكأنها بند مؤجل في ملف لا يحتمل التأجيل، فما الذي يعيق هذه الخطوة؟ ولماذا تبقى المجالس المحلية، التي تمثل قاعدة النظام الإداري في الدولة، رهينة لمنظومة فساد موروثة لم تقدم سوى مزيد من المعاناة للشعب المصري؟

إن المحليات، التي يُفترض أنها صمام الأمان لتلبية احتياجات المواطنين اليومية، ما زالت تعاني من تركة ثقيلة من الفساد والمحسوبية، وهي بقايا لنظام الرئيس الراحل محمد حسني مبارك الذي كرّس هذه الثقافة لعقود، في حين أن الثورة وما تبعها من تغييرات كانت تهدف إلى تحرير مؤسسات الدولة من قبضة الفساد، فإن الإبقاء على نفس الوجوه القديمة في المحليات يمثل تناقضًا صارخًا مع وعود الإصلاح، فكيف يُعقل أن نبني مستقبلًا أفضل بآليات فاسدة لا تعرف سوى تعظيم مصالحها الشخصية على حساب معاناة الشعب؟

المواطن المصري، الذي وقف صامدًا أمام الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، يعاني اليوم من واقع مؤلم. الفقر يضرب قطاعات واسعة من الشعب، في الوقت الذي تنعم فيه نخبة من صفوة رجال الدولة ومن يدور في فلكهم بحياة مرفهة لا تعكس الواقع المرير الذي تعيشه الأغلبية. كيف يمكن الحديث عن العدالة الاجتماعية بينما يجد المواطن نفسه عاجزًا عن تلبية احتياجاته الأساسية، ويواجه شبح الغلاء والتضخم الذي يلتهم كل ما تبقى من دخله؟

غياب انتخابات المحليات يزيد الوضع سوءًا، فهو يحرم المواطنين من فرصة حقيقية لاختيار من يمثلهم على المستوى المحلي، ويترك الأمور في يد قلة تفتقر إلى الكفاءة والنزاهة، بل إن استمرار هذا الوضع يُفاقم الإحساس بعدم العدالة بين الشعب، ويعمق الهوة بين الطبقات، ففي حين يعاني أغلب الشعب من نقص الخدمات والبنية التحتية المتهالكة، نجد أن الصفوة تستفيد من مشاريع لا تمس احتياجات المواطنين المباشرة، بل تُبنى غالبًا لخدمة المصالح الضيقة على حساب المال العام.

انتخابات المحليات ليست مجرد إجراء شكلي لاستكمال خارطة الطريق، بل هي ضرورة ملحة لتمكين الشعب من المشاركة الفعالة في إدارة شؤونه. فهي الوسيلة لإدخال دماء جديدة في المنظومة المحلية، دماء قادرة على فهم معاناة المواطنين وإيجاد حلول عملية لمعالجة أزماتهم اليومية. كما أنها فرصة للتخلص من إرث الفساد الذي استنزف موارد الدولة وأفقد المواطن الثقة في مؤسساتها.

إجراء انتخابات المحليات سيضع الأساس لنهضة حقيقية في كل ربوع مصر. فاللامركزية الإدارية التي تأتي من اختيار شعبي نزيه ستُساهم في تحسين الخدمات العامة، وستعزز من قدرة الدولة على الاستجابة السريعة لاحتياجات المواطنين، سواء في التعليم أو الصحة أو البنية التحتية. كما أن المحليات هي الساحة الأولى لتدريب قيادات شابة قادرة على تحمل المسؤولية الوطنية في المستقبل.

لا يمكن لأي دولة أن تحقق تقدمًا حقيقيًا دون تمكين شعبها من المشاركة في صناعة القرار، ولا يمكن لمصر أن تخرج من أزماتها الاقتصادية والاجتماعية إلا بإصلاح عميق يبدأ من القاعدة، أي من المحليات، إن استكمال خارطة الطريق لا يتعلق فقط بتعهدات سياسية سابقة، بل هو التزام أخلاقي ووطني تجاه الشعب الذي انتظر طويلاً أن يرى وعود الإصلاح تتحقق على أرض الواقع.

لقد حان الوقت لإنهاء هذا التباطؤ، وحان الوقت لإجراء انتخابات المحليات كخطوة جادة نحو مستقبل أفضل. مستقبل يُبنى على الشفافية والمشاركة الشعبية والعدالة الاجتماعية، وليس على تكديس الثروات في أيدي القلة، بينما يعاني الأغلبية من شظف العيش. مصر تستحق أن تكون دولة تقودها الإرادة الشعبية، لا دولة تُحكم بمنظومة فساد عفى عليها الزمن.

الشعب المصري صبور، ولكنه لن يقبل إلى الأبد بهذا الواقع. إن مطالبة القيادة السياسية بسرعة تنفيذ انتخابات المحليات ليست مجرد دعوة لاستكمال خارطة الطريق، بل هي نداء من أجل حياة كريمة، من أجل مصر التي تستحق أن تكون لكل المصريين، لا لفئة قليلة تتحكم في مصير الجميع. فهل نحن مستعدون للانتقال من الوعود إلى التنفيذ؟ وهل ستُعيد الدولة بناء ثقة شعبها؟ الإجابة يجب أن تأتي قريبًا، وبأفعال تعكس كلمات خارطة الطريق التي طال انتظارها.
----------------------------
بقلم: محمد عبدالمجيد هندي
* قيادي عمالي مستقل، مؤسس ورئيس المجلس القومي للعمال والفلاحين تحت التأسيس


مقالات اخرى للكاتب

يوم الشهيد.. ملحمة الوفاء وتاج العزة للوطن