بدأت بذور الرواية عام ١٨٧٠ التي حملها من الشام الى مصر سعيد البستاني وهو التلميذ الأمين لأستاذه سليم البستاني، وكانت الشام هي منبع الرواية العربية ومدرسة السرد والجسر الذي عبرت عليه فنون الرواية، عبر العديد من الأسماء التي كانت على صلة كبيرة بفنون السرد عند الغرب ومن هؤلاء جميل نخلة وفرح أنطوان ونقولا الحداد ويعقوب صروف وجورجى زيدان وأسماء أخرى عديدة، إلا أن فرح أنطوان هذا المهاجر العملاق بثقافته الواسعة من أعظم كتاب هذه المرحلة، وكان متأثراً بالمدرسة الأوربية الرومانسية فقام بترجمة روايات عديدة منها الكوخ الهندى - بول فرجيني للكاتب الفرنسي برناردين سان بيير ورواية أتالا للروائي شانو بريان وقام بترجمة ثلاثية الكسندر دوماس الأب ثم كتب رواياته أورشاليم الجديدة - فتح العرب بيت المقدس - الدين والعلم - المال والوحش - الوحشي وسياحة في أرز لبنان وكانت من نتاج كل هؤلاء العظماء أن بدأت بواكير الرواية المصرية وفي رواية زينب لمحمد حسين هيكل - وروايات على أحمد باكثير- الثائر الأحمر - وإسلاماه - مأساة أوديب وغيرها من الكتابات .
وظلت الرواية المصرية تتأرجح ما بين الرومانسية والإجتماعية من العام ١٩١٨ - ١٩٨٠ وفي منتصف القرن الماضي بلغت الرواية مرحلة النضج الفنى على يد العملاق نجيب محفوظ حيث انتقل من الرواية التاريخية (عبث الأقدار - رادوبیس - كفاح طيبة) وكانت القفزة إلى الرواية الاجتماعية في أعماله اللاحقة (القاهرة الجديدة وخان الخليلي – زقاق المدق - السراب - وبداية ونهاية )
ثم كان التتويج بالثلاثية (بين القصرين - قصر الشوق –السكرية) وملأت الساحة العديد من الأسماء اللامعة مثل (د. يوسف أدريس وإحسان عبد القدوس ويوسف السباعى) ساعد هذا الجيل أنه كان هناك مشروع ثقافي كبير تتبناه الدولة، وكانت الرواية فى صدارة المشهد الثقافي المصرى إلى جانب الشعر والمسرح، وظهرت أسماء جديدة أخذت مكانها فى عالم الرواية أمثال جمال الغيطاني وروايته الشهيرة الزينى بركات، وازدهرت الرواية العربية على أيدى جيل الوسط إبراهيم أصلان وصنع الله ابراهيم ويوسف زيدان ومحمد المخزنجي وأسامة أنور عكاشة، إلا أن هذا الأخير كان يميل إلى كتابة الدراما أكثر من الرواية بمفهومها الحديث، لأنه كان يعتمد على التصوير الحركي أكثر من النواحي الأخرى، ثم كانت النقلة الكبيرة في فن السرد عبر جيل حمل أفاق الرواية المصرية إلى الرواية العالمية مثل علاء الأسواني .وأحمد مراد ود. أحمد خالد توفيق، هذا الرائع، وأحمد خالد مصطفى وبعيدا عن أضواء القاهرة نتجه جنوباً لبعض الأسماء التي تحققت وترسخت أدبياً بعيداً عن الضجيج الإعلامي ومنهم سعيد رفيع ومحمد رفيع والروائى طه الشريف، وقد قرأت لهم جميعاً وتعرفت على إبداعاتهم، وكلهم يصل بك إلى حالة من الدهشة والإستمتاع، فكل منهم يحفظ تضاريس النص جيداً، خاصة سعيد رفيع الذى يكتب واقعه الجغرافي والإجتماعي فهو ابن القبيلة بموروثها العميق، وطه الشريف الذى يبهرك بروايته الأخيرة (بطاقة هوية لنازح مجهول) أما مسك الختام فهذان الرائعان شريف الجهنى بمجموعته القصصية (الرجل القادم من هناك) ورفاعى سعد الله بروايته (بهروئيل)، أما شريف الجهنى فهو بارع جدا في أن يفعل في سطور ما لا تفعله بك رواية من انبهار وإعجاب، وعلى سبيل المثال قصته (عود الثقاب الذى لم يشتعل)، استطاع هذا الكاتب أن يجعل من عيدان الثقاب أبطالاً لقصته، وتدور أحداث القصة داخل علبة الثقاب، هذا العالم المحدود استطاع أن يصنع منه عوالم وقيم عديدة يا للروعة.
أما رفاعى سعد الله فروايته (بهروئيل) هي عمل عالمى بكل المقاييس يتحدث في روايته عن الحق العربى في فلسطين بلغة يفهمها الغرب، وبعيدا عن التقريرية المملة، وأنا أرى أنه تعدى العظيم دان براون في وعى السرد إلى مرحلة سرد الوعى، كما قلت في دراسة نقدية عن الرواية من قبل.
في النهاية أنا أرى أن هذا الجيل من المبدعين إستطاع أن يقطع بالرواية المصرية أشواطاً نحو العالمية وسيفعل المزيد .
------------------------
بقلم: سعيد صابر