فرق كبير بين أن تختار إعلاميا على رأس مؤسسة إعلامية ضخمة بحجم ماسبيرو ، أو أن تختار اى شخص والسلام.
زرت ماسبيرو عديدا من المرات.. لكنى فى السنوات الأخيرة كنت ألحظ الحزن والوجوم على وجوه كل العاملين بلا استثناء .. والإهمال والكآبة تعشش بين جنباته.. حتى جاءت زيارتى الأخيرة وكانت فى اليوم التالى لتولى أحمد المسلماني رئاسة الهيئة الوطنية للإعلام، رأيت وجوها بشوشة مبتسمة متفائلة لديها ثقة واطمئنان أن القادم خير لهم وللاعلام الوطنى.
كان القرار الأول الذى اتخذه المسلمانى هو السماح لجميع العاملين بماسبيرو ممن تجاوزوا سن المعاش بزيارة ماسبيرو فى أى وقت عرفانا لهم بالجميل، بعد أن تم منعهم لسنوات من دخول المبنى. قرار آخر اتخذه المسلمانى لجميع قنوات وإذاعات ومواقع الهيئة الوطنية للإعلام بحظر استضافة العرافين والمنجمين، وكلنا نعلم كيف وصل بنا حال الإعلام بعد استضافته لليلى عبد اللطيف وأشباهها فى القنوات المصرية والعربية. فالدول المحترمة تستطلع مستقبل المنطقة عبر التفكير العلمي وقواعد المنطق ومعطيات علم السياسة والعلوم الأخري، وتستعين في هذا الصدد بالعلماء والخبراء والأكاديميين والمثقفين، بينما فى مصر والدول العربية هناك من يتعمد جرنا للخلف بقوة من خلال الاعتماد على الجهل والخرافات للتنبؤ بالمستقبل. وأنتظر ومثلى كُثر أن يتم تعميم هذا القرار على جميع القنوات المصرية الخاصة أو الموجهة للمجتمع المصرى من أى دولة كانت.
أما القرار الأهم فهو ما تم اتخاذه بتخصيص محطة إذاعية لبث قناة النيل للأخبار علي إف إم .. وقناة النيل للأخبار لمن لا يعلم تأسست عام ١٩٩٨، كانت ثاني محطات الأخبار تأسيساً في العالم العربي بعد قناة الجزيرة، وتمتلك رصيداً كبيراً من المهنية والمصداقية والكفاءة، رغم تراجع الأضواء عنها لصالح قنوات أخرى خاصة، ولصالح برامج توك شوز عقيمة .. القرار ممتاز فمن لا يتوفر له وقت لمشاهدة قناة النيل للأخبار سيتمكن من الاستماع إليها فى الراديو، وجميعنا يعلم ان الراديو هو صديق لقائد السيارة وللمرأة فى مطبخها، ولهواة النوم على صوت الاذاعة، وأن ما لم يتحقق من نجاح لقناة النيل بـ "المشاهدة" لضيق الوقت يمكن أن يتحقق بالاستماع، بل أكاد أجزم أن الاستماع إليها فى الراديو سيتبعه ارتفاع فى نسبة المشاهدة.. واعتقد أن هذا القرار الجرئ سيتبعه العديد من القرارات التى تعيد لماسبيرو رونقه وصدارته للمشهد الإعلامى فى وقت نحن فى أمس الحاجة لإعلام محترم ومهنى ونزيه ..
وعن نفسى انتظر من المسلماني قرارات عديدة أولها استعادة إذاعة القرآن الكريم التى تم اختطافها على أيدى إعلانات التسول التى لا تليق بالقناة العظيمة صاحبة التاريخ العريق فى مصر والعالم العربى، وثانيها إعادة الاحترام للمحتوى الإعلامى فى المحطات الإذاعية واستعادة دورها فى الارتقاء بالمجتمع وسلوكياته، بعد أن فقدت الدور الحقيقي المنوط بها، وأصبحت أشبه بأغانى المهرجانات و فقرات التيك توك..
أخيرا أؤكد أن الإعلام هو إحدى قوى مصر الناعمة، وأن التفريط في أية قوة ناعمة فى هذا الوقت الهام هو تفريط في قوة مصر ومكانتها بين الدول، وأن إسناد الأمر لغير أهله فى كافة المجالات هو أقصر طريق للتراجع والهزيمة والتلاشي، وماسبيرو كاد أن يتلاشى لولا أن المسلمانى بدأ يعيد إليه الروح من جديد.
----------------------------
بقلم: سحر عبدالرحيم