سوريا الحبيبة تغيب عنا.. تحولت إلى"كعكة"، يقضم منها الإسرائيليون والأتراك، والإرهابيون، بموافقة أمريكية وتنسيق مباشر مع البيت الأبيض.. الجولاني الذي أسقطت واشنطن مؤخرا جائزة العشرة مليون دولار لمن يدلي بمعلومات عنه، أعد "سرفيس"الحلوى، وأحضر السكاكين لتقطيع الكعكة، وفتح صالة الطعام بقصر الشعب في دمشق، وأحضر لهم السكين لتقطيع الكعكة.. كيف كانت الأنصبة؟:
1ـ إسرائيل:
ـ لم تتوان تل أبيب عن الإستفادة من ظرف تاريخي، لا يتكرر إلا كل مائة عام، بتعبير الرئيس الأسبق للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، تسفي هاوزر، فقامت بتدمير كل ما يتعلق ويرتبط بمواقع الجيش السوري ومستودعات أسلحته، واحتلت مايربو على 110 كيلو مترا من الأراضي السورية، وأعلنت ضم الجولان، وتحركت آليات البناء إلى تلك المرتفعات الاستراتيجية التي تطل على بحيرة طبرية، القدس، وبيسان، من أجل إنشاء مستوطنات جديدة إلى جانب الـ45 مستوطنة المقامة هناك بالفعل.
ـ احتلت شمال هضبة الجولان، لتضع يدها على كامل الهضبة التي تعد وسيلة ممتازة لمراقبة المنطقة بأكملها من دمشق التي تبعد نحو 60 كيلومترا فقط إلى الشرق من الجولان المحتل، وحتى خليج حيفا على البحر الأبيض المتوسط إلى الغرب، لتحقق إسرائيل قفزة استراتيجية كبرى في أمنها الإقليمي، حيث تكفل انهيار نظام البعث الحاكم بسد الاحتياجات الأمنية لإسرائيل في الشمال، خصوصا وأن ما بعده (الجنوب اللبناني) يتم تفريغه حاليا من السلاح، بواسطة،من أجل تأمين الشمال المزعج لها.. تحركات تكتيكية عسكرية عاجلة، لبلوغ هدف استراتيجي يتمثل في تمديد "الحدود الآمنة" لإسرائيل داخل الشام الكبير:
أـ إلى الجنوب من هضبة الجولان، أعلنت تل أبيب إلغاء اتفاق "فك الاشتباك" بينها ودمشق، وسارع الجيش الإسرائيلي باحتلال المنطقة العازلة (40كلم)، ولاتوجد ارقام دقيقة حول المساحة المحتلة الجديدة لانها تتغير كل يوم بزيادة انتشار جنود الاحتلال على الأرض خارج المنطقة العازلة، بإتجاه سلسلة جبال الحرمون، واحتلال النقطة 2814 الاستراتيجية التي تعتبر طائرة اواكس ثابتة، تُمَكِن إسرائيل من استطلاع كامل المنطقة الجغرافية والدول التقليدية المجاورة.. وإلى الآن (25 ديسمبر) يمكن تقدير المساحة المحتلة بنحو 100 كيلو متر مربع داخل الأراضي السورية.
ب ـ إلى الشمال، امتدت"الحدود الآمنة" بطول 386 كيلو مترا، بداية من الجولان، وحتى نهر الليطاني، شاملة الجنوب اللبناني كله، الذي يتم الضغط عليه لنزع سلاحه، والموافقة على تراجع مقاتليه إلى ما وراء النهر، وفق التصور الإسرائيلي المدعوم من النخبة السياسية في لبنان.
ت ـ الشرق الإسرائيلي مؤمن بمعاهدة سلام مع الأردن، فضلا عن تأمينه المطلق بموجب اتفاقيات أوسلو التي تمنح إسرائيل حق الإجرام مع الفلسطينيين، وكذلك من خلال ابتزاز الأردن (استراتيجيا) بتسريبات يمينية من أقطاب اليمين الصهيوني تهدد بتهجير سكان الضفة الغربية إلى الأردن.
ـ الجنوب الإسرائيلي مؤمن أيضا تماما باتفاقية سلام إبرمتها تل أبيب مع مصر العام 1979، تعتبرها القاهرة، أولوية أولى في استراتيجيتها، فضلا عن تدمير غزة بالكامل وإعادة صياغتها لتكون حائط دفاع لاسرائيل.
ـ إلى الغرب تستند إسرائيل على البحر المتوسط، وعلى الأساطيل الأمريكية يقيادة السفينة النووية "يو.إس.إس دوايت إيزنهاور" ترافقها (مبدئيا) 12 سفينة حربية، بخلاف الفرقاطات والمدمرات البريطانية والألمانية والفرنسية.
تمدد طولي وعرضي للحدود التي تراها إسرائيل آمنة، يأتي في إعقاب إعلان ترامب، الرئيس الأمريكي المنتخب، أن مساحة إسرائيل ضاقت عليها وحان وقت زيادتها".
باختصار، إسرائيل آمنة من الجهات الأربع، وأطالت أعماق"الحدود" بمسافات تكفى لادخار رصيد أمني يزيد عن حاجتها، ما قد يثير المخاوف من فائض القوة الإسرائيلي، ويطرح التساؤل المنطقي: إلى أين يسكب نيرانه القادمة؟
2ـ تركيا:
اسطنبول لم تقضم بعد، لكن "حقهم" لن يقترب منه أحد، والحلفاء الثلاث، يحترمون ويحفظون نصيب الأتراك من الكعكة، ويتركون ملف الأكراد ومصيرهم إلى أردوغان.. المؤكد أن اسطنبول لن تلتهم "الحلوى" مرة واحدة، إنما قضمة تلو الأخرى، أولها انتزاع اعتراف من الإقليم أن قوات سوريا الديمقراطية ( قَسَدْ)، المشكلة من تحالف متعدد الأعراق والأديان للميليشيات التي يغلب عليها الطابع الكردي، وكذلك للميليشيات العربية والآشورية/السريانية، وبعض الجماعات التركمانية والأرمنية والشركسية.. اسطنبول تريد اعتبار قوات سوريا الديمقراطية، رعايا أتراك، يطلقون عليهم"أتراك الجبل"، وعلى شركائهم في العملية، الإعتراف بذلك، والمساعدة فيه، ردا لـ"الجميل"، واعتبار الملف الكردي شأن داخلي لتركيا.. الولايات المتحدة تتفهم الموقف التركي، وتجهز المسرح السياسي لإعداد ملف أمني ينال رضاء الحلفاء.. في الوقت نفسه، يخشى الأكراد من سيطرة الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تنظر لهم باعتبارهم "كفارا" أو أهل ذمة، ما يجعل قوات سوريا الديمقراطية بين فكي كماشة، الجيش التركي شمالا، والتنظيمات الإسلامية المسلحة صاحبة "أيدلوجيا التكفير" جنوبا.. سيناريو ينذر بدخول إسرائيل على خط الأكراد، كحامي استراتيجي لهم.
3ـ الجولاني
الجولاني حصل على نصيب من الكعكة يرضيه ويرضي شركاءه في السلاح، دخل الجامع الأموي الكبير في دمشق، في لقطة لن يغفلها التاريخ، تستعيد خلالها الذاكرة الجمعية لأبناء التيار الإسلامي صورة "الخليفة".. دمشق عاصمة الخلافة الأموية ومركز الخلافة العباسية تعود "للإسلاميين".
مكاسب أخرى أهمها إضفاء الشرعية الدولية والإقليمية على الشرع وأعوانه، ورفعهم بتنظيماتهم من قوائم الإرهاب، وردا للجميل، أعلن الجولاني، قائد القيادة المركزية الحاكمة، أن سوريا الجديدة، دولة "لن تعادي أحداً في الإقليم".. إشارة واضحة، لا لبس فيها، إلى إسرائيل، وهدية لن ينساها نتنياهو، الذي سارع بدوره إلى رد "الجميل" بدعوة كل من الامارات والسعودية والأردن ومصر الوقوف بجانب الجولاني لإدارة الحكومة السورية المقبلة.. إعلان صريح من تل أبيب بالحماية على طريقة "ماحدش يقرب.. الراجل ده تبعي".. المصادفة أن إعلان الحماية المبكر جاء في أعقاب امتعاض مصر من مساعي رفع جبهة تحرير الشام من قوائم الإرهاب، عندما نشرت القاهرة صورة للجولاني تجمعه مع أحد الضالعين في اغتيال هشام بركات النائب العام السابق، ربما يتريث "المبيضون" ويتمهلون.
كذلك تتمثل مكاسب السلطة الجديدة في عدم ممانعة "أممية" من رفع العقوبات عن سوريا، وهو مايجرى إعداده داخل أروقة مجلس الأمن، من أجل إزالة العقبات أمام ضخ الاستثمارات الدولارية الهائلة التي ستتدفق على سوريا سواء من "الكفار" داعمي إسرائيل، مكافأة على تهيئة الأرض أمام إسرائيل لتمديد "حدودها الآمنة"والسيطرة المطلقة على الشام الكبير، بما يهيء الأجواء الأمنية لواشنطن العودة إلى لعب"البوكر" بهدوء، ودون منغصات في الإقليم كله.
الكعكة الشامية، وقعت فريسة لثلاثة أنياب لا ترحم، إلا أن المسرح السياسي لم يسدل ستائره، ما يدفعنا إلى التأمل والتساؤل: هل تكون الكعكة ثقيلة على المعدة، عصية على الهضم، تُرغِم من يقضمها بغير حق، على تقيئها؟.. الشعب السوري الأعلم، هو الطاهي الذي يعد الكعكة.
في انتظارك. حبيبتي.. سوربا
---------------------------------
بقلم: أحمد عادل هاشم