مازلت أرى أن أي تأخير في التعرف عن قرب على ما يجري وتفكر فيه وتخطط له السلطات الجديدة في سوريا، ليس من صالح أي طرف، فهناك كثيرون وأطراف عديدة تسعى إلى حصاد ما أنفقته على خطط إسقاط نظام الأسد في الدولة السورية، بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معه، فمن أنفقوا مئات المليارات يخططون الآن لإخراج سوريا كلية من دائرة عروبتها، وإدخالها في معركة استنزاف اقتصادي، بمن في ذلك من دعموا "النظام الهارب".
وللأسف الشديد هناك من يساعد على ذلك بكل الوسائل في الداخل السوري، والمحيط العربي والإسلامي، بخلاف الدائرة الدولية الأوسع، التي تخطط وتدفع بذلك نحو تشجيع السلطات المؤقتة في دمشق لتحقيق ما يخططون له، مع ترحيب بذلك بشكل علني.
ليس المقصود هو فرض وصاية على الشعب السوري فيما يراه أو ما يربوا إليه، بل هو قراءة لأوضاع مستقبلية، في ظل توسيع دائرة الأطماع الصهيونية التي وصلت إلى احتلال بعمق وصل نحو 7 كيلومترات في الأراضي السورية المتاخمة للحدود، وسط مؤشرات باستمرار هذا الاحتلال الصهيوني الجديد، في غفلة سقوط أو انسحاب الجيش من الدفاع عن أرض الوطن السوري.
قد يقال إن انسحاب الجيش السوري من مواقعه، جاء بهدف عدم الصدام مع الجماعات المسلحة، وحقنا للدماء، وهذا قد يكون صحيحا، وهو ما فوّت الفرصة على أطراف تتربص بسوريا، وكان من ضمن خططها قيام حرب أهلية بين السوريين، وبهذا فقد فوّت الفرصة على كل هؤلاء.
ولكن في المقابل كان الخطأ الأكبر هو ترك المواقع العسكرية، والدفاعية ونقاط الدفاع، وتفريغ كل الوحدات من قواها البشرية العسكرية، لتصبح سهلة في عمليات التدمير التي قامت به القوات العسكرية الصهيونية، وأنهت الجزء الأكبر من البنى التحتية العسكرية والدفاعية للجيش السوري، مع فتح الطريق أمام عدوان احتلالي ممنهج على الأراضي السورية، بل كان عسكريا من الأفضل الدخول عملية انتقالية عسكرية متدرجة.
وحتما سيأتي يوما تتكشف فيه كل الحقائق، وسيحاكم التاريخ كل من شارك، أو خطط أو تهاون في حدوث ما جرى، أو ساهم التمهيد لهذا العدوان، مهما كانت الأسباب، فما جرى هو جريمة في حق سوريا الدولة والوطن، والناس.
لا يمكن تبرئة نظام الأسد مما جرى، فهو يتحمل الجزء الأكبر مما حصدته سوريا، فعلي مدى 30 عاما تقريبا من حكم بشار، لم ينجح في لملمة طوائف الشعب حوله، وأضاع العديد من الفرص التي كانت تمثل نقاط عبور بالوطن إلى الأمام، إلا أنه فتح الطريق أمام العديد من الدول والجماعات لتمويل طوائف وتنظيمات بالمال والسلاح على مدى 13 عاما، وأنفقوا عشرات المليارات ليس لصالح الشعب السوري وبناء الوطن وحياة الشعب، بل في شراء السلاح وعلى التدريب بالداخل والخارج، لاستمرار دائرة الصراع، ليحدث ما جري وشهده العالم.
واليوم يأتي الحصاد والبحث عن تقسيم تورتة "سوريا"، في ظل فرحة "ملغومة"، وبدأت كل الأطراف تبحث عن نصيبها في سوريا، الأمر الذي يقتضي نقاشا جادا، ويشارك فيه كل من يعنيهم سوريا "العربية"، قبل أن يعض الجميع على أصابعهم ندما.
والداخل السوري هو الأهم في هذه المرحلة، التي تتطلب من الجميع، تنحية خلافاتهم، ومواجهة أي محاولات تشرذم، والوقوف في وجه كل من يفتح أبواب التفرقة والنزعات الطائفية، لتعود سوريا إلى أصلها في معنى الاسم وواقعه، أي "سيريونس" والتي تطابق معنى "الدروع".
----------------------------
بقلم: محمود الحضري