06 - 05 - 2025

ترنيمة عشق | لغتنا العربية تؤثر في جميع اللغات والمعتقدات

ترنيمة عشق | لغتنا العربية تؤثر في جميع اللغات والمعتقدات

- "بنت عدنان".. اليهودية قلَّدَتْ قواعِدها وأبجديتها وحركاتها ومقاماتها وموشّحاتها والتّفاسير !!
- "الإسرائيليات" لزرع الشّك في عقيدة المسلم
- اتخذها المسيحيون لغة لصلواتهم وشعائرهم

لا جدال أن لغتنا العربية الشّريفة مُستودع المُنجَز المعرفي والإبداع الحضاري العربي والإسلامي.. وهي إحدى اللغات العالمية "السِّت الحية" المستخدَمة رسميًّا، ويتحدثها نحو أربعمائة واثنين وعشرين مليون نسمة.

فضلًا عن كونِها أثَّرت ومازَجت كثيرًا من اللغات في عالمنا الإسلامي؛ بل وشكلتْ حروفَها واستقرَّت في قواميسها: كالفارسية والتركية والكردية والأمازيغية والإندونيسية والماليزية والألبانية، وفي بعض اللغات الإفريقية مثل: السّواحيلية والصّومالية والهاوسا والأمهرية والتجربة (في تشاد ومالي وإريتريا وأثيوبيا والسّنغال وجنوب السّودان)، وبالنسبة للغات الأوروبية؛ فقد أغْنتْ الأسبانية والبرتغالية والصّقلية والمالطية بالعديد من الكلمات والمُصطلحات.

ولأنّا في زمن "هَيمنة العُقوق والاستلاب الثّقافي"؛ رغم وجود" سِتة مَجامع" تتعهد بحماية وتعزيز اللغة ومكانتها في كل من: بغداد ومصر ودمشق والأردن وتونس والخرطوم؛ إلا أنَّ تَردي الأوضاع الثّقافية والاقتصادية والأمنية في العديد من مناحي العالم العربي؛ أثَّرتْ دون رَيب في الاهتمام الذي يجب أن يكون حِيالها.

ومع ذلك فلا نُكران لكون "لغتنا المقدسة" تلك كانت وستظل أجَلّ وعاء لحِفظ فكر وحضارة العرب والمسلمين بل والحضارات الأوروبية القديمة بمهارة التّرجمة التي أتقنها العرب الأوائل، فكانت بَوتقةً للتواصل السّهل بين كافّة الثقافات، بل وسار على نهجها ثقافات مُغايرة لم يكن لها باعٌ في التّدوين ولا الكتابة ولا حتى في قواعد اللغة.

ولأن العربية لغة العِلم والأدب والسّياسة لقرون طويلة، زادها رِفعةً كونُها لغةً شَعائرية؛ تتمُّ بها الصّلوات؛ فأضحتْ بعض "الكنائس المسيحية" بالعالم العربي تُصلّي بها، وكثيرٌ مِن الأعمال الدّينية والفكرية اليهودية كُتيت بها في العصور الوسطى.

قَبْل "الفتح العربي الإسلامي"؛ كانت "الأرامية" لغة اليهود بالعراق، و"الكنعانية" لغتهم بالشام، ولم يكن لديهم لغة تُعرف بـ "العبرية"، حيث لم يكونوا يملكون تراثًا مكتوبًا سوى:" شريعتهم ونصوص العهد القديم" فقط، أما بقية إرثهم فكان "شريعةً شفهيةً" تتناقلها الأجيال، لذا كان مُحرّمًا عليهم التّفكير في أي شيء سوى "الكتاب المُقدّس" وكل ما عدا ذلك فهو كُفْرٌ وإلحاد !!

عاش اليهود في ظل الأمن والسّلام الذي وفرته الشريعة الإسلامية للمسلمين ولأهل الكِتاب ولغيرهم، فارتقوا في المناصِب الرّسمية في الدّولة؛ خاصّة إبَّان "الخلافة العباسية" و"الدّولة الإسلامية في الأندلس" ؛ لدرجة أن شغلوا خَمسة مناصب وزارية.

هذا الاستقرار ونتيجة لتحدثهم بالعربية كتابةً ومُخاطبةً؛ جعلهم يُعيدون التفكير في شأن لغتهم؛ مُستفيدين مِنْ قواعد وأدبيات لغتنا العربية؛ وسْموا لغتهم بالعبرية، فكانت مزيجًا من: "الكنعانية والأرامية والعربية"، ووضعوا لها قواعد شبيهةً بقواعد لغتنا؛ بفضل العلَّامة اليهودي "بن يوسف الفيومي" المِصريّ الذي كان يعيش في بغداد.

"اليهودية قلَّدت العربية في قواعِدها وحركاتِها، واقتبستْ حروفَها والمَقامات والأشعار الموزونة المُقفاة والموشحات الأندلسية ورسائل إخوان الصَّفا والتّفاسير القرءانية، ثم ألَّفوا الإسرائيليات لزرعِ الشَّك في عقيدة المُسلم" !!

اقتبسوا كذلك "الحركات الإعرابية"، لكنهم وضعوها تحت الحروف؛ وبدَّلوا بعض الأحرف؛ فحولوا "الواو" إلى ف مثل: حوَّا: حفا، وحولوا "السّين" إلى شين ليصبح موسَى: موشَى، لكن أبجديتهم لا تتضمن حروف (ذ غ ض ظ) العربية، دخلوا في حوارات ومُجادلات مع المسلمين، وردَّ عليهم "ابن حزم الأندلسي": (في الرد على ابن النغريلة اليهودي) ذلك اليهودي الذي كان يحاول زرع الشّك في قلب المسلم تجاه عقيدة الإسلام.

ونتيجة لاحتكاكهم بالعرب وبراعتهم في التّجارة وتقلبهم بين مختلف البقاع العربية والإسلامية؛ فقد كانت أحب هجراتهم إليهم الهجرة للأندلس؛ حيث الاستقرار والرّفاهية إبَّان الحكم العربي الإسلامي، فتأثروا بالأدب الأندلسي، وكتبوا موشحات باللغة العبرية على غرار العربية، واقتبسوا وقلَّدوا كذلك البِنية الشّعرية من مَقامات وأشعار مَوزونة مُقفاة.   

لفت انتباههم تفاسير "القرءان الكريم"؛ فقاموا من فَورهم بوضع تفاسير لكتابهم المقدس !!

لكن الطامَّة الكبرى كانت ظهور "الاسرائيليات" في تفاسير المسلمين؛ وقد جاءت وتَفشَّت بيننا بطريقين:

الأولى عن غير قصدٍ؛ وكانت عن طريق اليهود الذين دخلوا الإسلام، حيث نقلوا معهم "معتقداتهم الدّينية القديمة"، معتقدين أنهم يساهمون في تفسير القرءان الكريم..

أما الذي عن قصدٍ؛ فتمَّ بغرضِ "تشويه عقيدة المسلمين".

وقد قامت محاولات فردية للتنقية من تلك الإسرائيليات؛ مثلما فعل" الشّيخ الذّهبي" -رحمه الله- في أحد كُتبه، لكنها مازالت متفشية في تراثنا وتحتاج للتدقيق والتّمحيص، خاصةً وقد ساهم بعض علماء العرب والمؤرخين والفلاسفة وأعطوها زَخمًا أدبيًّا مما أدى إلى انتشارها بشكلٍ كبيرٍ بكل أسَف.

في "العصر العباسي"؛ تغير اسم اليهود مِن: "أصحاب الديانة المُوسوية" إلى: "اليهود".. واسثغلوا حركة التّرجمة الدؤوبة -حينذاك- فقاموا بترجمة:" الأسْفار اليهودية والتّلمود والتّوراة" دون وَجَل، نظرًا لمُناخ الحرية والقُدرة على التّعبير السّائد في ذلك الوقت، فنَسخوا وترجموا علوم الفلسفة والطب والأدب والهندسة؛ ونقلوها لأوروبا خاصةً بعد إنشاء المدارس في "صَقلية" وغيرها.. وأخذوا الكثير من مُفردات اللغة العربية نظرًا لعجز لغتهم عن الوفاء بتلبية بعض المعاني والمُصطلحات الدّقيقة، فنقلوا الكلمات العربية بنفس هيئتها وفيما بعد ترجموها بالعبرية.

فمثلا نرى: "سليمان بن جابرول" الذي تعلم وكَتبَ بالعربية عن الفلسفة، وكذا كتابات: "عمر بن يوسف بن الصديق" متأثرًا برسائل "إخوان الصَّفا"، كما كتب" يهودا اللاوي" بالعربية كتابه: "الحُجة والدليل في نصر الدين الذليل"، وألف" موسى بن ميمون": "دلالة الحائرين"، كما كتب" الحريزي" مَقامات عبرية على: "مَقامات الحَريري" العربية، وكذا حاول نحو ستة وستين أديبًا يهوديًّا لكنهم فشلوا.

يقول مؤرخ غربي معاصر من أصل يهودي:

"أهمية اليهود في التّاريخ الإنساني أنهم وسَطاء الحضارة، فهم لم يبدعوا حضارة مستقلة، لكنهم كانوا مترجمين".

ويقول س. وسرستردم: "إن المسلمين قدَّموا للجماعة اليهودية الوسائل الثقافية والاجتماعية فحافظوا بها على استمرارِنا".

أما "ليوبك" أحد زعماء الحركة اليهودية الإصلاحية المُعاصرة فيُصرِّح: "إن اليهود مُدانون ومُمتنون للحضارة العربية، ويجب أن يعتبروا هذا الامتنان فريضة من فرائض الله لا يجوز أن ينسوها".

والمستشرق المعروف" برنارد لويس" الذي يوجّه دائم النّقد غير الودي للإسلام والمسلمين فيقول: "في موضوع الفلسفة وعلم الكلام -الثيولوجي- يمكننا أن نقول بدون تردد أن التّأثير كان من الإسلام على اليهودية وليس العكس، وأنَّ قِسمًا كبيرًا من" المُفردات العبرية" أصلها عربي، خاصة الفلسفية والعلمية وهذا ليس بغريب؛ فأصْل اللغتين واحد.

كان تأثير "المسلمين" على اليهودية أبعد من مجال العلوم والآداب والفكر؛ لأنه أثّر كذاك على الطّقوس الشّعائرية والفن والرّسم، وفي عالَم المصطلحات يستخدمون لفظ: "النَّسخ، وبسم الله، وإمام، وأئمة، وطور سينين، والقدس" في ترجماتهم.. وحتى "التّصلية على الرسول" يستخدمونها عند ذكر "النبي موسى" -عليه السلام- و"يوم الدين" بمعنى: "يوم القيامة"، و" الوقوف" بمعنى: "مُعَمّد".

وكذا ناقشوا موضوع" الشفاعة" عندهم تأثرًا بالفكر الإسلامي، وعندهم" يوم الكفور" وهو: "يوم الغُفران"، بل ويستخدمون اسم" شهر رمضان".

لكن الحقيقة أنهم وباهتمامهم  بالتّفاسير التّوراتية متأثرين بالتّفاسير القرءانية تحول الكثير منهم للإسلام.
-----------------------------------
بقلم: حورية عبيدة


مقالات اخرى للكاتب

ترنيمة عشق | إعلام زليخة