06 - 05 - 2025

ماذا يهم؟

ماذا يهم؟

كان السجين ينظر من خلل النافذة المغطاة بشبكة صدئه في سيارة الترحيلات، ورغم الهواء البارد كان يحدق إلي المطاعم والمحلات التي غشتها أضواء كاسحة في التجمع الخامس، وصفوف سيارات تتراص أمامها .. أنهم سعداء، ماذا يهم إذن ؟..

يعود إلي مقعده الحديدي مرة أخرى، يتأمل الكلابشات المحكمة حول معصميه .. يبتسم في ظلام السيارة وهي ترتج به وترفعه وتلقيه ذات اليمين وذات الشمال.

قال له طبيب السجن وهو ينظر إلي صورة الأشعة "العمود الفقري تضررت فيه الفقرة الثالثة والرابعة" .. رد الشيخ معابثا "لقد كنت رياضيا طول حياتي، ومارست الملاكمة .. هل يمكن أن يطرأ هذا التدهور فجأة؟" .. تلفت الطبيب يمنة ويسرة قبل أن يهمس بحذر: "الزنازين مقابر الأحياء" ، وحذر الشيخ من أي حركات عنيفة ، ومن التعرض للرطوبة ..

كانت السيارة الضخمة لا تزال ترتج به ، وتدفعه في كل اتجاه بينما الأكبال حول معصميه تحول دون إمكانيته الإمساك بأي شئ حفاظا علي توازنه ..

طيف يحنو عليه وقتها لاح في الظلام المحيط ، من لحظات سلام الشهيد ، إلي لحظة استلام نوط الشجاعة من الطبقة الأولي، كان صوت السارينات من سيارات الشرطة المتعددة التي ترافق سيارة الترحيلات الضخمة، ينبئ بأنه موكب مجرم خطير ..  يبتسم مرة أخري لطيف سارينة سيارة البروتوكول وهي تسبق سيارته التي يرفرف عليها علم مصر، وهناك من يعلن بصوت واضح " سفير جمهورية مصر العربية " .

وحده في ظلام صندوق السيارة ، ينحني الشيخ علي نفسه كي يستجلب بعض الدفء ، ويتقي صفعات الهواء البارد التي تندفع من النوافذ .. ما ضرهم لو سمحوا بدخول الفانلة الصوف التي أحضرتها الأسرة؟ ..

يبتسم وهو ينصت لأصوات موسيقي تأتيه من بعيد .. أنهم سعداء .. ماذا يهم إذن؟..
--------------------------------
بقلم: معصوم مرزوق
* مساعد وزير الخارجية السابق
*من (تجليات الزنزانة رقم 10/ تحت الطبع)

مقالات اخرى للكاتب