06 - 05 - 2025

(وِقيع) فى بلاط صاحبة الجلالة!

(وِقيع) فى بلاط صاحبة الجلالة!

انفضَّ مؤتمر نقابة الصحفيين السادس مختتمًا انعقاده بتوصيات للنظر فى الأجور، والوصل بين الصحافة الرقمية والورقية، والتسويق والتمويل، وربط الدراسة الإعلامية بالعمل الصحفى، وغير ذلك، ولقد كنت أود أنا القارئ (وإن شئت فقل الممول) أن أقوم على منبر خطيبًا فى ذلك المحفل فألقى توصياتنا نحن معاشر القراء للصحفيين فى الصحف والمواقع المعتبرة لا المُريبة ولا الملونة، لكن لما كان ذلك متعذرًا فلقد رأيت أن أُدرجها فى مقالة وأنشرها لعلها أن تصيب منتفعًا.

وأول ما أستفتح به أننى وغيرى قد نُشِّئت على الرصانة الصحفية للصحافة الورقية، ولا زال هديها وآدابها فى النشر قائمة فى نفسى أتخذها مثلًا أقيس عليه ما جاء بعدها، فلما نظرت فيما تنشره علينا المواقع الصحفية المُعتبرة هذه من أخبار وقصص صحفية وجدته ليس يليق بصحافة معتبرة ولا بصحفى ذى مروءة، حتى إنى لأهم أن أعلق على كثير من منشوراتها بقولى: "استحوا" فوجدت أنى إن علقت عليها بذلك أو أشرت عليها برمز ولو كان استياءً فقد زِدتُ فى رواجها وذهاب سوقها، فأنصرف عما هممت به، لكن نفسى لا تنصرف عن إنكارها تدنيس بلاط صاحبة الجلالة، ولا تزال تضطرب غيرةً وغيظًا على صحفى ومصور ينزلون أنفسهم ومهنتهم دون قدرها، تسألنى: وما وجه إنكارى؟! فأجيبك: وما وجه الخبر العظيم الذى يصيبه القارئ حين ينوه موقع صحيفة معتبرة بالإطلالة الساخنة لفلانة على البساط الأحمر مرفقًا ذلك بالمرئيات والصور والعناوين؟! وما وجه النفع الجليل الذى أصيبه إذا تصفحت موقع إحدى الصحف غير الصفراء فوجدته ينوه بكلام راقصة تذكر فيه رأى ابنها فى عملها؟! وماذا نُفاد يا سيدنا الصحفى إن نحن اتبعنا وصيتك فشاهدنا رقصة فلانة فى زفاف فلان التى اختصصتها بمرئية على موقع الصحيفة؟! وما الفوائد المرجوة للقارئ أن تجعل عنوان موقعك: أجرأ تصريحات الفنانة عن...؟! وهل كانت فلانة هذه فى منصب أمين عام الأمم المتحدة حتى تكون لها تصريحات تنقل عنها وتصدر بها الصحف والمواقع؟! إن كثيرًا مما تنشره مواقع الصحف المُعتبرة لا يليق نشره إلا بالصحافة الصفراء أو الحمراء، ولا يليق بسط القول فيه إلا فى مجالس النساء، بل إنه لتترفع العاقلات من النساء عن الخوض فيه! إننى وأنا القارئ لأغار  أن أجد هذا (اِلوِقيع) يرعى ويغدو ويروح فى بلاط صاحبة الجلالة! فكيف بصحفى لا يغار على اسمه أن يقرنه بهذه التفاهة؟!

لعلك يا أخى الصحفى تلتمس لصحيفتك ولأخيك الصحفى العذر فى نشر مثل هذه القصص على الناس فتقول: إنما نجارى أهواء المتابعين، وهذا ما يأتى بالمال ليعطوا أجورهم!

فأقول لك: بل الصحفى يحمل أمانة للأمة، فلا يصلح أنت تكون بضاعته المؤتمن عليها تفاهات وسخافات وأعجاز وصدور! وإن كان هذا هوى طائفة من الناس، فالأمانة تلزمه أن يرقى هو بهم لا أن يداهنهم فى هواهم، ومن أراد منهم أسقاط الأخبار وأسقاط اللحم فليس يعدم صحافة صفراء وحمراء ترضى هواه.

أما المال فإن الصحفى الفطن لن يعدم قصة أو خبرًا يأتيه بالمال أضعاف ما يأتيه به "اللحم الوِقيع"، فعند كل شيخ مسن أو امرأة عجوز قصة وخبر ينتظر صحفيًّا نابهًا ينصت إليه وينقل عنه، وفى كل كفر أو نجع قصة أو خبر أو أثر ينتظر صحفيًّا فطِنًا نشطًا يكشفه أو يستنطقه ثم يُعرِّف به الناس، إن استنطاق البشر والحجر فيه من التشويق ما هو أكثر وأنفع مما تعرضه صحافة "الأعجاز والصدور" لاسيما إن أحسن الصحفى النقل والعرض واستعان بوسائل العصر، ستجد أيها الصحفى الشاب القصة والخبر والصورة فى كل زقاق وعطفة ونجع فى مصر، ستجده متواريًا فى الخيامية والمغربلين والنحاسين فى قلب القاهرة العتيقة، وستجده فى قرى النوبة المصرية، وعند أهل البجا فى جنوب صحراء مصر الشرقية، وعند أهل سيوة من العرب والبربر فى صحرائها الغربية، وستجده بين بيوت رشيد، أو فى حيِّك أسفل دارك، أو عند قريب من أقربائك أو عند جار من جيرانك، فكل هؤلاء مواد عمل بين يديك، وتاريخ حى شاخص ناطق حواليك، بل منجم صحافة لمن يحمل آلته فيثرى منه، فعلامَ التكاسل والتغافل يا أهل الصحافة؟!
---------------------------------
بقلم: محمد زين العابدين
[email protected]

مقالات اخرى للكاتب

حَضَروا!