أعجبني للغاية ما قامت به أسرة عندليب الغناء على مر العصور عبد الحليم حافظ، من فتح مسكنه الذي حولته السنين إلى متحف شعبي وجماهيري يسعى إليه العشاق من الشباب المصري والعربي، في مناسبتي ميلاده ورحيله، ولكن بسبب وفاة الوفية زينب إبنة شقيقته تأخر فتح أبواب شقة العندليب إلى أن حدث ذلك يوم السبت الماضي، ولا يسعني إلا أن أحيي الفنان محمد شبانة إبن شقيق العندليب غلى قراره، وكذلك الغالي محمد الشناوي ابن الفنان الكبير كمال الشناوي الذي تحمل مع شبانة أعباء استضافة الزوار، ونحن عندما نحتفل بالحب، لابد لنا أن نتذكر ملك الرومانسية: العندليب عبد الحليم حافظ؛
ولابد من الاعتراف مسبقا بأن جانبا أساسيا من "كاريزما" العندليب كانت في "مشاعره الفياضة " و "ضعفه" حتى احتضنته كل فتاة سواء كانت من المشاهير أم من معجباته.. أحبته كل فتاة رأت في عينيه الحزن وفي أغانيه الشجن؛ وكأنها أرادت أن تعوضه بحضنها ودفئها ما يلاقيه من معاناة وحرمان، وصدق العندليب هو ما يفسر احتضان الأمهات المصريات للعندليب الإنسان.
فقد معنى (الأمان) فوجدت فيه بنات مصر فتى الأحلام، رغم أن العندليب لم يكن "دونجوانا" بالمعنى المتعارف عليه للكلمة، ولكنه كان معشوقا من المراهقات ولا يزال. فلم يكن عبد الحليم حافظ مجرد مطرب (عابر) فى تاريخ مصر، بل كان مؤثرا إلى أقصى حد في الحياتين الإجتماعية والعاطفية، كان شريكا لكل قصة حب عرفتها "بنوتة" مصرية أو عربية على إمتداد الوطن العربي، مع كل مرحلة يعيشها الحبيبان كانت هناك غنوة أو أكثر تعبر عنها، يجترها الحبيبان وتلتصق آذانهما إلى جوار المذياع، في خيالهم الحبيب وفي عقولهم وقلوبهم العندليب، لم يكن هو فقط أهم المؤرخين – بالحنجرة – الذى سجل للتاريخ وثائق ثورة يوليو وإنجازاتها.. ولكن تبقى قيمة حليم في نظر العشاق أنه مؤرخ قصص العشق والغرام؛ فمن الصعب أن تجد مرحلة يمر بها حبيبان ولم يعبر عنها العندليب موسيقى وكلمة وآداء.
باختصار كان العندليب حاضرا على كل طاولة تجمع العشاق، وفي كل حديث تليفوني، وبدءا من النصف الثاني للخمسينيات وحتى رحيله بعد عقدين، كان المحبين يكتبون رسائل العشق والغرام متضمنة مقاطع من أغنيات حليم كأفضل كلمات تعبر عن مشاعرهم ولا يستطيعون التعبير عنها، وفيما بعد في السبعينات وقبل رحيله كان الكاسيت قد خرج إلى النور وذاع وانتشر في معظم البيوت المصرية، واصطحبه معه كل أب مغترب سافر للعمل في العراق ودول الخليج عند عودته، فبدأ الأحبة في تبادل كلمات العندليب بصوته عبر شرائط الكاسيت.. لكن هل كان العندليب حبيبا وعاشقا، بنفس الدرجة التي كان بها محبوبا ومعشوقا؟
هكذا حليم الذي تغير مفهوم الحب من بعده، ولو كان بيننا لأحب بنفس طريقته الكلاسيكية ولكنا أيضا صدقناه.
-------------------------------
بقلم: طاهر البهي