03 - 05 - 2025

عمار علي حسن العامر بالمحبة

عمار علي حسن العامر بالمحبة

أحد أشد المخلصين للوطن ولطينه ولبسطاء الناس، الذين هم ملح الأرض؛ حفر في الصخر بعدما حمله على أكتافه صغيرا، حتى أصبح علما من أعلام البلد؛ عبر مسيرة علمية وفكرية، كان درب العميد طه حسين نبراسا له يضيء طريقه.

الدكتور عمار على حسن، المفكر السياسي والباحث الأديب؛ أحد أبناء الوطن القلائل القابضين على جمر الإخلاص لما ينتمي إليه دون مساومة؛ وواحد ممن تشد إليه رحال الباحثين عن معنى الوطنية والعطاء دون مقابل؛ وهو حين يشتبك مع الواقع، يقول الحق ولا يخشى لومة لائم؛ وقد عرضت عليه بالترغيب والترهيب عروضا لاسكاته، أو حمله على غير ما يقتنع به؛ فأبى إلا أن يكون للحق صوتا؛ وللبسطاء على آكلى حقوقهم سوطا.

هين لين، عهدناه منذ كنا نسعى في دروب عالم الصحافة صغارا، نتواصل معه أناء الليل أو أطراف النهار، وقد يوقظه الحاح رنين الهاتف المنزلي من نومه؛ فينهض غير ضجر؛ بصوت نصفه نوم؛ ليجيب عن أسئلة صحفي مبتدئ في جريدة مغمورة تسعى للمزاحمة.

وحين تلقاه، كأنه شقيقك الذي انفصلت عنه منذ قليل؛ فلا كلفة في الحديث ولا تكبر في علم يمتلك ناصيته؛ وهو حين يدلي بدلوه في موضوع ما، يأتى بما لم يستطعه الأوائل أو الأواخر.

كغالبيتنا، متدين بوسطية تميل إلى التصوف حينا؛ يمضي شامخ الرأس، لكنه حين يستشعر اعتداء على ذاته ولو قليلا، يتحول لأسد هصور؛ وأذكر ما قد نساه الدكتور عمار عقب أحداث 30 يونيو وما تلاها؛ كنت حينها أعمل بمكتب قناة الجزيرة الإخبارية؛ وكنا نفر من الشوارع والناس؛ رافعين شعار يا "حيطة داريني" فقد كان المجتمع في فورة، وحالة استنفار وتحفز وعدائية تصل للعدوانية؛ فأتصل به بصوت كسير؛ يجيب بكل أخوة وود؛ على عكس الكثير ممن أكلنا معهم لحما وسمكا، وما لذ طعمه وغلا ثمنه، أنكروا معرفتهم بنا، وظنوا أن الدائرة قد دارت لهم.

بعد انقطاع، واحتجاب عن الناس فترة، تواصلت معه بمداعبة سخيفة قائلا له: عاوزين نشوفك يا دكتور عمار؛ واللا لازم أقدم طلب للمجلس العسكري علشان اشوفك.؟ فغضب الرجل غضبة عارمة؛ ورد قائلا: وهو أنا لو عاوز أشوفك يا معوض لازم أقدم طلب للشيخ تميم ولا للشيخة موزة؟ وغضبت من طرفي؛ ثم حالت بيينا الأيام حولا أو أكثر؛ سافرت للدوحة طلبا للرزق ولما قدرت الأقدار عودتي للقاهرة كان الدكتور عمار، والأستاذ أنور الهواري ذوا فضل في البداية والنهاية وفي المنتصف.

قمت باخراج منصة من الظمات الى النور، بعدما توقفت سنتين، عقب وقف تمويل كانت تحصل عليه بمئات الآلاف، ولم يسمع بها أحد؛ فظلت متوقفة سنين عددا؛ ثم دار في ذهن أحد الزملاء والأصدقاء إعادتها للحياة؛ فهاتفني للعمل معه بتزكية من الأستاذ أنور الهواري؛ كرئيس تحرير بمقابل مادي لا يذكر؛ ودون دعم من أي جهة لكني كنت جائع للعمل؛ فوافقت دون تفكير؛ وقمت بمغامرة متهورة؛ اتسع لاستمرارها صدر النظام على غير عادته؛ ثم اختلفنا؛ وتركت تلك المنصة، بعدما صارت حديث الصباح والمساء؛ وكان الدكتور عمار أحد أعمدتها، والمشجعين على الإستمرار.

تركت المكان الذي شاركت بنصيب وافر في صناعته ونجاحه؛ عقب خلاف، أو طلب لا يرد بتنحيتي؛ حاول الدكتور عمار جاهدا إعادة المياة لمجاريها؛ وهاتفني ليطلب عودتي قائلا لي: إن كثيرا من التجارب تكون مرتبطة بالشخص الذي صنع نجاحها فإن انفصلا سقطت التجربة وسقط الشخص أيضا.

كنت قد اتخذت قرارا أن لا أعمل في بيت غيري مرة أخرى. أخبرته أني أفكر في عمل منصة أعلامية، تشمل موقعا إخباريا، وصفحات على مواقع التواصل؛ وأبحث عن تمويل بسيط، يمنح العاملين رواتبهم فقط؛ فلم يدخر جهدا؛ وحاول المساعدة؛ لكن الجميع خاف، رجال أعمال وسياسيين؛ وكانت الأبواب مؤصدة.

غامرت بعمل قناة " تفاصيل مصرية" على يوتيوب من الصفر، وأخبرته اني أرغب في اجراء مقابلة معه؛  فضرب موعدا والتقينا فسألني: كم عدد المشتركين معك؟ فأجبته: 19 مشترك؛ ليرد: عاوزين ننشط قناتك شوية؛ ويقدم مجموعة من الأفكار والشخصيات، متطوعا بمحبة وعطاء لانظير له.

يبقى الدكتور عمار شخصية قريبة من قلوب الذين عرفوه؛ وعلامة مضيئة في واقع مظلم؛ ولو كانت هذه الشخصية في وطن آخر وزمان آخر، لكان وزيرا؛ يحيى بفكره ما مات، ويبعث في الأمة سبل النهوض، وينير الطرق إليه.

في محبة عمار علي حسن يقال الكثير من الكلام؛ ولا يعطه حقه؛ لكنه يبقى مصدر إلهام لشباب وأبناء البسطاء في هذا الوطن؛ حين يعرفوا مسيرته وعطاءه.
------------------------------
بقلم: معوض جودة


مقالات اخرى للكاتب

خالد البلشي .. قبل أن يخر علينا السقف