في أولى زياراتي للولايات المتحدة، يوم كنت طالب دراسات عليا في جامعة كوبنهاجن، جمعني حديث ببروفيسور في إحدى الجامعات الاميركية، وأخذ يحدثني بفخر واضح عن المجتمع الأميركي، وكيف تسنى للنظام الأميركي القائم على دستور ديمقراطي أن يضمن لشعبه الرفاهية من ناحية، وأن يضمن استدامة هذه الرفاهية لقرون من ناحية أخرى، حتى اصبح مجتمعاً تصبو إليه كافة شعوب العالم. وبينما كان يحدثني عن تلك الإنجازات، والتي لم أختلف معه عليها، كنت أفكر بثمن هذا الإزدهار، والأهم، من الذي دفعه؟ خطر على بالي الويلات التي تعرض لها الأميركيون الأصليون خلال تحقيق هذه المنجزات، وكيف تمت ممارسة التطهير العرقي والإبادة الجماعية ضدهم، وفي نفس الوقت كيف تسنى لهذا المجتمع الإزدهار على حساب عبودية الشعوب الأفريقية خلال أكثر من قرنين من الزمان، وكانت عبودية بكل معنى الكلمة واستباحة لأي حق انساني لهم. وكطالب علمي - رياضي، كنت متعطشاً لحل معادلة التطور الأميركي التي تحتوي على طرف الإزدهار لشعب مقابل التطهير العرقي لشعب آخر، وأن أجد الموازنة بين الازدهار والإستعباد.
طرحت على محدثي البروفيسور المعادلة أملاً جواباً مقنعاً يمدني بالمعرفة، إلا أنه فاجأني بالسكوت التام، ولم يعلق على أطروحتي المتعلقة بموازنة هذه المعادلة. سكوته لم يكن محيراً لي فحسب، وانما أكد لي أن هذه المعادلة لا يمكن حلها بالمعطيات المطروحة، مثل الديمقراطية والإزدهار والتفوق التعليمي، وما يروج له في الدعاية الغربية، بل علينا أن ندخل عناصر أخرى في المعادلة لكي يتم التوازن، عناصر مثل الإستغلال، القوة، الإيمان بالتفوق العرقي، الحروب غير المتكافئة، وغيرها من العناصر اللا إنسانية التي لا تجعل الغرب يشعر بالفخر والسعادة في الحديث عنها.
لاحقاً، ومن دراسات خارج نطاق اختصاصي، توصلت إلى أن النظام الأميركي ليس إلا ميراثا للنظامين البريطاني والفرنسي بامتياز، ولم يترك الأميركان سوى الملكية من النظام البريطاني، ولم يتركوا سوى الفكر التنويري العلماني من النظام الفرنسي. وبذا جمع هذا النظام الأمريكي بين أكبر وأشرس نظامين استعماريين ظهرا في تاريخ الحضارة البشرية. ولكن النظام الأميركي استفاد من كل منجزاتهما، خاصة التكنولوجيا، وبنى صرحاً مالياً استطاع به شراء كل المواهب التي تصب في صالح إبقاء هذا النظام وتفوقه. وبينما كانت العبودية تمارس خارج الحدود الأوروبية، سمح النظام الأميركي بحق الإستعباد على أراضيه، أي جلب ما يسمونهم العبيد بالقوة من العالم المتخلف تكنولوجياً إلى الولايات المتحدة، من أجل تسخيرهم في الشقاء لصالح زيادة الإنتاج الأميركي!.
وبعد أن قامت الحرب الأهلية في أميركا، والتي انتهت بانتصار “الإصلاحيين” والمعاديين للعبودية، لم يتغير وضع الإستعباد في البلاد، بل على العكس، استمر المجتمع في استعباد الأفارقة واعتبارهم مواطنين ناقصي حقوق لما يقارب من قرنين من الزمن، حتى ظهور حركات التحرر المدني في ستينات القرن الماضي، والتي قادها مثقفون وفنانون ومنظمات مهنية، مثل الكاتب جيمس بالدوين والقس مارتن لوثر كينغ والناشطة انجيلا ديفيدز والكاتب والمفكر تشومسكي والملاكم محمد علي كلاي ومالكولم أكس والمغني جيمس براون، وآخرون كثر من المؤثرين الأميركيين.
عقيدة مونرو
غير أن النظام الجديد في أميركا، وتحديداً في القرن الثامن عشر، والذي تأسس بعد الحرب الأهلية، وضع شروطاً للسياسة الأميركية، يمكن اعتبارها ذكية آنذاك، ألا وهي السياسة الإنعزالية، وكان مغزاها الأساسي هو ردع أي تدخل أوروبي محتمل بعد الاستقلال عن بريطانيا، وإقامة ما نعرفه اليوم بالولايات المتحدة. وفي بداية القرن التاسع عشر، طرح الرئيس الأميركي الخامس، جيمس مونرو، ما سمي لاحقاً بمبدأ أو “عقيدة مونرو” والتي تنص على أن الحفاظ على الوجود الأميركي لا يتم إلا بجعل النصف الغربي من الكرة الأرضية خالياً من أي تهديد خارجي. أي أن جزئي القارة الأميركية، الشمالي والجنوبي، وما يحيطهما من مياه المحيطين الأطلسي والهادئ، يجب أن يكون خالياً من أي قوى غير صديقة، ويجب أن يخضع لما تتطلبه المصالح الأميركية.وليس ذلك فحسب، وإنما أن لا يكون هناك في جميع أرجاء هذه المنطقة أية حركة أو آيديولوجية أو نظام يعارض أو يهدد الوجود الأميركي. بمعنى آخر، أن لأميركا حق السيادة على كل هذه المنطقة!.
وبعد طرد الإستعمار البريطاني والفرنسي والإسباني من المنطقة، استمر هذا الحال حتى قيام الثورة الكوبية في مستهل ستينات القرن الماضي، عندما قرر الإتحاد السوفيتي إقامة قاعدة عسكرية للصواريخ النووية على الجزيرة الكوبية لحماية نظام كاسترو وكوبا الفتية من التدخل الخارجي الذي كانت أميركا تعد له. وقد شكّل النظام الجديد في كوبا والتعاون بينه وبين الإتحاد السوفيتي تجاوزاً للسيادة الأميركية على النصف الغربي من الكرة الأرضية، وشكّل إنشاء قاعدة صواريخ في كوبا تهديداً مباشراً للوجود الأميركي. فوقفت الولايات المتحدة بكل قوتها ضده وهددت باستخدام السلاح النووي وبحرب عالمية ثالثة، ووظفت إدارة حكومة الرئيس كيندي كل طاقاتها، العسكرية والدبلوماسية، لايقاف هذا المشروع الذي كانت تراه يعارض عقيدة مونرو، حتى انتهى الأمر باتفاق بين السوفيت والأميركان على إزالة قاعدة الصواريخ النووية من كوبا مقابل تعهد أميركا بعدم مهاجمة كوبا أو التدخل في شؤونها الداخلية، كذلك إزالة الصواريخ النووية الأميركية في قواعد حلف الناتو في تركيا. غير أن الولايات المتحدة سرعان ما نقضت إتفاقية الصواريخ النووية في تركيا وأبقت على عهدها في عدم مهاجمة كويا.
ومنذ ذلك الحين، أجرت الإدارات الأميركية المتعاقبة تعديلاً على “عقيدة مونرو”، لتضاف الحفاظ على المصالح الاميركية إلى الحفاظ على الوجود الاميركي، أي أن لا تكون هذه العقيدة فقط لحماية وجود الولايات المتحدة في موقعها الجغرافي في النصف الغربي للكرة الأرضية، وإنما لحماية مصالحها أيضاً، أينما وجدت في العالم. وبذلك توسعت رقعة ”الحماية“ لتشمل العالم كله، وهذا ما أكده العديد من روؤساء الولايات المتحدة، بما فيهم نيكسون وريغان وبوش وبايدن في أكثر من مناسبة، حتى أصبح حقاً مشروعاً. ولذا شرعت الولايات المتحدة في نشر قواعدها العسكرية في العالم، حيث يتجاوز اليوم عدد هذه القواعد ثمانمائة قاعدة عسكرية، تنتشر في جميع انحاء العالم، من الشرق الأقصى إلى الشرق الأوسط وإلى أفريقيا وإلى أوروبا، ناهيك عن خلو النصف الغربي من الكرة الارضية من أي تواجد غير أميركي ويخضع بالكامل للسيطرة والمراقبة الأميركية المطلقة.
ففي أية منطقة أو دولة ترى الولايات المتحدة الأميركية فيها أي تهديد لمصالحها، ستعطي لنفسها الحق في تغيير ظروف هذه المنطقة أو الدولة، بما في ذلك تغيير الأنظمة القائمة هناك، بغض النظر عن طبيعة هذه الأنظمة، إن كانت ديمقراطية أو دكتاتورية أو شمولية. وهذا ما حدث لحكومة مصدق في إيران في أوائل خمسينيات القرن الماضي، وما حدث في شيلي في سبعينيات القرن الماضي، حيث أسقطت حكومتان منتخبتان حسب القواعد الديمقراطية، لأن هاتين الحكومتين لم تكونا على وفاق تام معها. أما التلاعب والتغيير في الحلفاء، فهذا يعد من ضمن استراتيجياتها، فلا عجب أن يكون المجاهدون الأفغان أصدقاء لها، ويتمتعون بكل دعمها ما دامت هي المستفيدة. أما اذا تغير الوضع فانه من السهل إضافتهم على لائحة الإرهاب التي تصدرها وتتبناها الدول الأوروبية والدول الأخرى الموالية لها. وبذا فان السياسة الاميركية ترتكز على تعزيز نفوذها في العالم بغض النظر عن من ذا الذي ستستعين به، إن كان شيطاناً أم ملاكاً صالحاً، المهم هو من سيخدم مصالحها.
منطقة الشرق الاوسط
كانت، وما تزال منطقة الشرق الأوسط تشكل أهمية كبرى لدول النفوذ العالمي ومصالحها الإقتصادية التي ترتبط بطبيعة الوضع الدولي الذي فرضه الغرب على العالم منذ نهاية الحرب العالمية الاولى وتطبيق معاهدة سايكس-بيكو في المنطقة. وهنا نقصد أن أوروبا وبعد ما يعرف بالنهضة الأوروبية التي قامت على أسس التحرر من الإستعباد الملكي - الكنائسي، والخروج من أزمنتها المظلمة إلى التنوير، لم تجد بديلاً غير تصدير أو نقل هذا الإستعباد من دولها إلى القارات الأخرى من أجل إدامة نهضتها وتوسيع سلطتها في آن واحد. وبذا ربطت ذلك بتفوقها الإقتصادي، وبالضرورة الصناعي-العسكري الذي له أن يدعم توسع سيطرتها في العالم ويعود بالرفاهية عليها.
فمنطقة الشرق الأوسط تشكل العصب الإقتصادي لأوروبا والغرب عموماً، فهي الممر الحيوي الذي يربط الشرق بالغرب، أي منابع الإنتاج والتسويق، مع بعضها. كذلك وبعد اكتشاف البترول، ولاحقًا الغاز الطبيعي، فان هذه المنطقة غدت من أهم المناطق التي تغذي ازدهار الغرب وديمومة سلطته. ولذا نرى أن الغرب لم يتوقف عن التدخل المباشر أحياناً وغير المباشر أحياناً أخر في شؤون هذه المنطقة، تدخلاً في تغيير الأنظمة أو دعم التمرد والعصيان أو إثارة الاضطرابات وأعمال الشغب، وغيرها من التدخلات التي تضمن عدم إمكانية الاستقرار، ومن ثم الاستقلال الفعلي لهذه الدول، وبالتالي عدم تقدمها، وفي النهاية وقوع هذه المنطقة تحت سيطرة الغرب. ولم تكن زراعة الكيان الصهيوني اعتباطاً أو حباً في اليهود، وإنما لزراعة كيان يعتمد في بقائه كلياً على الغرب، ويساهم في إضعاف المنطقة لما يثيره من حروب واضطرابات تكفل لهذه المنطقة البقاء إما في تأخرها الاقتصادي والمدني، أو إشغالها في أزمات دائمة تلهيها عن التطور واللحاق بركب الدول المتقدمة. ولذا فانه ليس من الغريب أن تمتلك إسرائيل أكبر جهاز استخباري وفعال في المنطقة. والغرب يعلم جيداً، أن ما لهذه المنطقة من موارد طبيعية وبشرية كفيل أن يجعلها في صفوف الدول المتقدمة. ولكن هل لهذا التقدم أي صالح للغرب؟
خطط اللاعبين
واستناداً لما ورد، فإن منطقة الشرق الأوسط تعد من أكثر المناطق في العالم سخونة، ولم تَقِل سخونتها بعد دخولنا القرن الواحد والعشرين، خاصة وأن أحداث الحادي عشر من سبتمبر وَفّرت للغرب فرصة التواجد المباشر، وأباحت له العبث في المنطقة، بموافقة مجلس الأمن الدولي أو بعدم موافقته، بدءا من أفغانستان والعراق، حيث لم تكن هاتان الدولتان وتغيير النظام فيهما هو الهدف الوحيد للتدخل الامبريالي، وإنما كان الهدف البعيد هو زرع القواعد العسكرية وفرض السيطرة الغربية والذي أصبح واضحاً قبل وبعد عمليات الإجتياح الأميركي للعراق، حتى أصبح الخليج العربي من أكثر المناطق في العالم غرقاً في القواعد العسكرية الأميركية والمعدات والخبراء، حتى شمل تواجد القواعد العسكرية في الشرق الأوسط جميع أراضي دول هذه المنطقة مما يضمن المصالح الغربية. الأمر الذي جعل بعض دول المنطقة الحريصة على مصالحها الإستراتيجية تستعد لوضع خطط لمستقبل بلدانها. فباشرت إيران في مد نفوذها في العراق وسوريا، وإلى حد ما في لبنان، ولم تتوان حينها في الشروع في مشروعها النووي، وبذا أصبح لها مخطط اًو رؤية مستقبلية، جيوسياسية للمنطقة تعمل عليها منذ تفرغها لبناء دولتها بعد انتهاء الحرب العراقية - الإيرانية التي شنها النظام العراقي ضدها في ثمانينات القرن الماضي، والتي دامت لأكثر من ثمان سنين. كذلك هو الأمر لتركيا أردوغان التي بدأت بالتدخل في الشؤون العراقية والسورية، وبتوظيف العناصر الإسلامية المسلحة لبث الإضطرابات هناك، وفي الوقت ذاته، رأت أن يكون لها دور إضافي في المنطقة، لكونها وريثة الأمبراطورية العثمانية والإسلام السني، حسب فهمها للتاريخ. أما من ناحية ارتباطها مع الغرب في حلف الناتو، فقد حافظت على ذلك بكل ما يمليه عليها ذلك الارتباط، ولكنها لم تتوان في توسيع تعاونها، ربما لحسابات مستقبلية، حتى بلغ هذا التعاون ذروته مع من يعتبرهم حلف الناتو منافسين أو أعداء له، مثل الصين وروسيا. ولهذا فقد صاغت لنفسها رؤية مستقبلية، جيوسياسية للمنطقة، وتعمل على ذلك منذ العقدين الأخيرين، خاصة بعد رفض عضويتها في الإتحاد الأوروبي وبعد انتفاضة الشعوب العربية فيما سمي بالربيع العربي.
وذات الأمر لم يكن مختلفاً لإسرائيل، فهي الأخرى لها توجهات ومخططات لما ترى أن يكون عليه الشرق الأوسط الجديد، وقد أعلنه روؤساء حكومات الكيان في أكثر من مناسبة، وذكروه في كتاباتهم، مثل بيريز ونيتنياهو في منتصف تسعينيات القرن الماضي، وصرحوا برغبتهم في تعزيز الكيان وتحقيق الحلم الإسرائيلي فيما يطلقون عليه “إسرائيل الكبرى” الذي يشمل كافة أراضي فلسطين التاريخية، ثم“إسرائيل العظمى”التي تمتد من الفرات إلى النيل، وأن تكون الدول العربية أكثر تشتتاً، ويا حبذا انقساماً داخلياً، أي لجعل الدول العربية تتقلص من ناحية مساحاتها وسكانها، وذلك من خلال تقسيم هذه الدول، مثل السودان والعراق وسوريا لولايات صغيرة متناحرة، لتكون أكثر ضعفاً وخنوعاً، وأن يكون الكيان الإسرائيلي هو القوة المسيطرة والمتحكمة في شؤون المنطقة. ولم يتوان نيتنياهو بعد سقوط النظام السوري، عندما وقف عند الحدود السورية يبارك انهيار الدولة والسلطة ويتبجح بتدمير كل المرافق العسكرية السورية، وفي نفس الوقت، مد يد التعاون إلى السنة والعلويين والمسيحيين والأكراد.. ولم يذكر الشعب السوري! وبذا قسّم هذا البلد إلى فئات يمكن لإسرائيل أن تتحالف معها، كل على حدة!
يتضح جلياً من كل ما ورد، أن كل اللاعبين الذين ينتمون لمنطقة الشرق الأوسط لهم خططهم المستقبلية للمكانة ومصالح حكومتها وشعبها، إلا الدول العربية!
فليس هناك، على الأقل في المعلن، أية خطة لأية دولة عربية عن موقعها الجيوسياسي في المنطقة، وإن كانت ستدوم كما هي عليه الآن؟ وما شهدناه خلال الأربعة عشر شهراً الماضية، منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، واستمرارها في القتل والتجويع والأبادة الجماعية، ثم الحرب الإسرائيلية على لبنان، ثم سقوط النظام الفاشي في سوريا، كلها تصب في مخططات الدول اللاعبة في ملعب الشرق الاوسط، أي إيران وتركيا وإسرائيل، وبالطبع الغرب، اللاعب الأكبر. واوضح دليل على ذلك هو شروع إسرائيل في قصف سوريا اثناء انشغالها بمحاربة المتمردين في حلب وحمص وحماه، فسرعان ما سقط نظام البعث في دمشق، سارعت إسرائيل في نقضها لمعاهدة المنطقة العازلة في الجولان والتي وقعتها مع النظام السوري قبل خمسين عاماً، لتحتل مناطق في العمق الجولاني وتنصّب اسلحتها وجيشها على جبل الشيخ السوري! وتستمر في قصف مستودعات الاسلحة والذخائر والمصانع العسكرية، بحجة ضمان أمن إسرائيل.
ولأول مرة نرى دولة تمحو مقدرات جيش دولة أخرى دون أن تكون هناك حرب بينهما! كذلك هو حال تركيا التي سارعت في مد حركات التمرد الإسلامية في سوريا، بينما اضطرت إيران إلى سحب نفسها من كل الصراع الدائر هناك، وأعلنت مباشرة رغبتها في التعاون مع أية حكومة سورية قادمة. ومن جانبها، أعلنت روسيا عدم رغبتها في التدخل مقابل الحفاظ على سلامة قواعدها في سوريا، والتي ستقوم بسحبها قريباً.
ويبقى السؤال، أين هي الدول العربية من كل ما حدث خلال الأربعة عشر شهراً من العدوان؟ وأين هي الآن مما يجري في منطقتها؟ وهل لها أي دور فيما يحدث؟ الأسئلة كثيرة، ويبقى الوقت، الكفيل الوحيد في إماطة اللثام عما سيجري في المستقبل القريب.
***
(دمشـق)
تغارُ منكِ بابل
وأوروك ترمقُكِ بنظرةِ الحاسد
غير أني أسمعُ عويلَ الاسكندرونة
يعلو عند أسواركِ كلّ ليلة
تمكنت الشيخوخةُ من ملامحِ المدائن
وصباكِ لم يهفو بعد
تفوحُ منكِ رائحةُ الفواكه
ويتألقُ صابون الغارِ على أرصفتك
جبالاً تناطحُ قاسيون
بين عربات الباعة ودكاكين الاحمدية
ترقصُ الموشحاتُ بشغفِ الأندلس
ومن منارة الجامع الاموي يغني
صوتُ زرياب الحزنَ
في قصائد جرير والفرزدق
في كلّ زقاق ينعي سكانُكِ الجولان
أبدلتِ بالبعث بني أمية
والبعثُ سيعقبُه السلف
الكلّ أولادك - غير الشرعيين
كلما اشتقتُ إليكِ
لعنتُ لحظةَ الدخول من بواباتكِ
فحراسُكِ ما زالوا
لا يُؤتَـمَـنون.
------------------------------------
بقلم: د. سليم العبدلي
كاتب واكاديمي يقيم في الدنمارك