06 - 05 - 2025

ودمع لا يُكَفْكَف يا دمشق

ودمع لا يُكَفْكَف يا دمشق

انتبهت فجر الأحد الثامن من ديسمبر ٢٠٢٤م على صوت أهازيج وصخب تملأ الدار، وشاشة مقسمة لمشاهد من شوارع وميادين دمشق والناس فرحين مستبشرين ابتهاجًا بسقوط الأسد وجلائه هو وعصبته عن دمشق، فلم يصبنى ما أصاب القوم من الفرح، ولا أصابنى ما أصاب آخرين من الغم، بل أصابتنى أخلاط من حذر وتوجس وريبة، وشىء من فرح قليل!

فأما الفرح فكان لعودة ذلك المبعد المُهجَّر إلى داره، ولخروج ذلك الأسير المحرر الذى طال حبسه، ولسقوط باستيل الشام المسمى "صيدنايا"، ثم شفاء الصدر بزوال طغاة الشام وأكابر مجرميها.

وأما الحذر والتوجس والريبة ففيها تفصيل يطول، وفيها أقوال حمالة وجوه، فلا أحد مُصيب كل الصواب فيما ذهب إليه ورآه، ولا أحد مخطئ كل الخطأ فيما زعمه واتبعه، ولا حاجة بنا إلى التلاحى والتلاوم فى الأمر، لكن هى آراؤنا نعرضها.

وإن أول ما يريب المرء من أمر تلك الغارة فهو "ميقاتها"، فلقد أُذِن لهم فى وقت لم تضع بعدُ حرب إسرائيل أوزارها فى غزة ولبنان، ولم يجف بعدُ حبر اتفاق حزب الله وإسرائيل، ولم تنطفئ بعد جذوة حربهما ولا انجلى دخانها بعدُ، فذهبت المعارضة تقطع عن حزب الله طرق الرفد والإمداد الذى كان يأتيه من العراق وإيران، فأصبح محاصرًا خلف الليطانى بين عدوين! فمن انتظروا السنين الطوال فى إدلب أما كان يجدر بهم أن ينتظروا حتى تنجلى حرب غزة؟! أم كان قطع الأذرع التى تناوش إسرائيل هو الغاية والمبتغى؟! أعلم يا صديقى الثائر أن هذا هو أمثل المواقيت لتضرب عدوك، لكنك لم تضرب الإيرانى ولا الحزب اللبنانى، بل أنت أعنت إسرائيل على أن تفرغ لإخوتك الفلسطينين حين قاتلت من كانوا يناوشونها ولو بالقليل! فالثوار صحَّت منهم العزائم ولكن فى غير الزمان الموافق، فهم يسعون ويجهدون ويجنى العدو بأيديهم النصر بعد النصر، وأخشى أن هذا المطعن سيعيَّرون به أبد الدهر.

فإن قالوا: أخطأ حزب الله حين ظن أن بوصلة القدس تمر بالقصير السورية، فأقول: فلما اعتدلت بوصلة إيران وحلفها وتوجهت تلقاء عدوكما أنتما الاثنان نفرتم تقاتلونهم وتذكرتم ما أخذوه وما احتلوه؟! ثم هذا إمامهم (الجولانى) قائم يخطب فى الجامع الأموى فذكر بالنكير حلف بشار وإيران، ولم يذكر إسرائيل ولا جولانه المحتل! فهل استبدلتم عدوًّا بعدوٍّ، ومحتلًّا بمحتل أم ماذا أردت أن تبلغنا؟!

فلو كانت هذه الإغارات فى غير هذا (الموعد) وبغير هذه الخيانة (لفلسطين) لكان الناس فى سعة من حسن الظن، أما الآن فإن يد أمريكا وإسرائيل أظهر من أن تخفيها اللحى الإسلامية والألسن العربية والوجوه الشامية.

وأما الحذر والتوجس فذلك أنى لست حَدَثًا غريرًا ولا شابًّا غمرًا، بل لأنى قد شهدت يوم أُسقطت بغداد وفرح قوم فلم تًصِحَّ إلى اليوم بغداد، وشهدت يوم أُسقطت طرابلس وفرح أقوام فلم تَصِحَّ إلى اليوم طرابلس، وشهدت سقوط الخرطوم وفرح الثوار فلم تَصِحَّ إلى اليوم الخرطوم، فكيف تطيب نفسى بالفرح بدمشق وأنا أعلم عواقب الأمر؟!

لِيَسَلْ كل منا نفسه كم قد شهدنا من ليلة فرح وغناء لسقوط طاغية، فلما انقضت وأصبح الصباح كانوا فرقًا وشِيَعًا مختلفة متنازعة تصطرع على بعض بلد، وعلى بعض منصب، وشعبهم صار إلى الفوضى والهلاك!

إننى لأيقن أن هَمَّ الشباب فى المعارضة السورية ليس حماية إسرائيل ولا موالاة أمريكا، ولكن إزالة بشار، ورفع الظلم والمظالم، وإرجاع الناس إلى بيوتهم، ولا علم لهم بالمكيدة الصهيوأمريكية التى ينفذونها هم وأصحابهم، فهى أدق وأدهى من أن يفطنوا إليها، ولكنهم يُساقون فيها لمآرب ومآلات لا تخطر لأحدهم ببال.

هذا ما حضرنى على عَجَل فى الحالة السورية، وليت ظنونى أن تخطئ.
-----------------------------
بقلم: محمد زين العابدين
[email protected]

مقالات اخرى للكاتب

حَضَروا!