06 - 05 - 2025

إلى حقبة "الابتزاز" ..معتدل مارش

إلى حقبة

كانت سوريا مكشوفة تماما، برا وبحرا وجوا، أمام أمريكا وإسرائيل، وكان من المستحيل أن تتحرك عربة قتال واحدة في الأراضي السورية، سواء من قبل الجيش السوري، أو حتى الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا وأمريكا، دون رصد وعلم من المخابرات الأمريكية والإسرائيلية، ما يقودنا إلى استنتاج منطقي وواقعي وعملي:

لا حركة على أرض الشام، سواء بالسلاح أو بدون، إلا بضوء أخضر أمريكي ومباركة إسرائيلية، ومن غير المعقول أن لا ترصد إسرائيل تحركات السلاح على الأرض في الشام الكبير، خصوصا في الوقت الذي تخوض فيه معارك مؤلمة في الجنوب اللبناني، تحسبا لتهريب السلاح إلى المقاومة هناك من خلال "المنفذ"السوري.

الشرع الملقب بالجولاني، القائد العام للفصائل المسلحة التي انقضت على سوريا وأسقطت حكم بشار الأسد، ليس الوحيد الذي أضاءت له واشنطن الضوء الأخضر للزحف نحو دمشق، هو ليس الاستثناء، فقد سبقته أنظمة الحكم العربي، ملكية كانت أم جمهورية، في الانصياع للولايات المتحدة الامريكية، وانتظار إشاراتها الخضراء والحمراء والصفراء لإدراكها أن بقاءها مرتهن بالضوء الأخضر الأمريكي.

.باختصار، لا يدعي أي طرف عربي، سواء كان في القصور أو المساجد والكنائس، استطاعته التحرك "الأمني" في الإقليم دون موافقة أمريكية مسبقة، ما يسقط جميعهم في مستنقع "الديون السياسية" التي يتوجب سدادها عاجلا أو لاحقا من قبل الجولاني أو الأنظمة العربية المرتعشة والخائفة على كراسيها.

بيد أن المخاطر الناتجة عن استراتيجية الضوء الأخضر، لا تكمن فقط في الوعيد بخريطة جديدة للشرق الأوسط تتولى خلالها اسرائيل تسوية الملف الأمني في الإقليم وفقا لرؤيتها التوسعية، أو إعادة تقسيم الوحدات السياسية العربية، على أسس طائفية وأثنية وعرقية، تتناحر فيما بينها، بما يبعد سلاحها عن الأمن الإسرائيلي نهائيا ، إنما تكمن الخطورة كذلك في زمن "الابتزاز" المقبل مع قدوم ترامب، وعلى الجولاني وأنظمة الحكم العربية سداد فاتورة الضوء الأخضر الباهظة، بالاستسلام للمشروع الصهيوني في المنطقة.

الجولاني يلقى "أبياتا" من الإنسانية والعدالة وحقوق الأفليات، لسداد القسط الأول من ديونه السياسية للبيت الأبيض، لكي يتم قبوله وتسويقه في النظام الأمني الصهيوني المقبل، ولن ينافسه أحد في "الشعر" سوى الحكام العرب للتخفيف من وطأة الابتزاز الامريكي والاسرائيلي لهم.. الخليج كله تحت الابتزاز بحجة حمايته من الخطر الإيراني، مصر مهددة بالابتزاز في ملفاتها الأمنية سواء كانت المياه أو سيناء ، بهدف إحكام طوق الحصار حولها، وتقييد حركتها في صد مشروع الهيمنة الإسرائيلية على المشرق العربي كله.. العراق يتم ابتزازه أمنيا بداعش، وبالقواعد الأمريكية، السودان، ليبيا، اليمن، الصومال، تحت الابتزاز العربي والغربي.

الشعوب العربية يبتزها حكامها بفزاعة الأصولية الجهادية، والأخيرة تبتز الشعوب بالدين، والإخوان يجيدون إعداد موائد ابتزاز أنظمة الحكم بطاهي أمريكي .. الإقليم كله يقع تحت وطأة الابتزاز الصهيو أمريكي بعد انتهاء الأخير من القضاء على المقاومة العربية المسلحة.

الأفق ملبد بالغيوم، والتيارات السياسية في الوطن العربي تتناحر فيما بينها.. الاسلام السياسي يضع القوميين والليبراليين ودعاة المجتمع المدني في خانة العداء الذي يتجاوز العداء لإسرائيل، والقوميون قي قلب دائرة الاتهام بدعم الانظمة الديكتاتورية وتجريف الحياة السياسية في أوطانهم، والليبراليون متهمون بالعمالة للغرب، ودعاة المجتمع المدني كفرة وملحدون .. الكل يبتز الكل، إما بالإيدلوجيا، أو بالسلطة، وبين الاثنين شعوب عربية فقيرة، ومحرومة من تعليم يضعنا على طريق النهضة، وممنوع عليها التمتع بصحة تتيح لهم حمل السلاح في مواجهة المغتصبين.. وسعوا السكة لقطار الابتزاز السريع المتجه إلى العرب،وافسحوا المجال للشرطي الإسرائيلي الذي سيقرر من له حق حمل السلاح من المحيط للخليج، واشطبوا كلمة"الاستقلال" الوطني من معاجم اللغة العربية.

دخلنا بالفعل زمن "الابتزاز" الذي لا يستطيع الجولاني أو غيره من أصحاب الجلالة والفخامة والسمو التحايل عليه أو الالتفاف حوله .. النظام العربي بنخبته الحاكمة وتياراته السياسية المتنوعة، لم يعد صالحا لمواجهة تحدياته في الحريات والعدالة والاستقلال الوطني .. إلى حقبة "الابتزاز" بالأمن والديون "معتدل مارش" ولا عزاء لمن يرضخ للابتزاز.
-----------------------------
بقلم: أحمد عادل هاشم

مقالات اخرى للكاتب

الأهلي حديد!