لقد فر بشار إلي موسكو مع عائلته؛
أمر طيب أن يعرف الإنسان مسؤولياته تجاه حماية أسرته .
ولكنه كان رئيسا لكل سوريا لمدة ربع قرن تقريباً؛ أي أنه كان مسؤولا عن كل الأسر السورية ، سواء تلك التي ناصرته ، أو تلك التي عارضته وثارت علي نظامه .
أنا بشكل عام ضد " الإفلات من العقاب " impunity ، وبالتالي قد أري أنه كان علي بشار أن يقاتل حتي الموت دفاعاً عن قناعاته التي أوصلته لتلك اللحظة ، أو أن يسلم نفسه كي يواجه محاكمة عادلة ، ويدافع عن نفسه .
لذلك ، فقد يكون المسار العادل ، هو أن تطلب السلطة الجديدة من موسكو تسليم بشار بناء علي لائحة اتهام جدية ... ولا يجب أن ترفض موسكو هذا الطلب .
ما تقدم هو التسلسل المثالي الذي يتوقعه العقلاء ،
ولكننا - كما يعلم الكافة - لسنا في عالم مثالي ، وهناك من الأسباب ما قد يجعل تسليم بشار صعباً ، وأن المحاكمات قد يشوبها خلل .
أنا لذلك ، أؤيد خيار " العدالة الإنتقالية " وليس " العدالة الإنتقامية " أو " العدالة الإنتقائية " ، وأروج دائما في الأوضاع المشابهة لتطبيقات جنوب إفريقيا بعد زوال نظام الحكم العنصري .
لقد دفع قادة هتلر أمام محاكم " نورمبرج" أنهم كانوا فقط ينفذون الأوامر التي تصدر إليهم من القائد الأعلي ، وهو مالم يأخذ به قضاة نورمبرج ، علي أساس أنه لا يوجد اي مبرر لمرؤوس أن يرتكب جريمة ويتحجج أنه ارتكبها بناء علي أوامر رؤسائه ، وطبقت عليهم المسؤلية الفردية في هذه الحالة .
ربما يقول قائل أنه لا وجه للقياس بين جرائم حرب في إطار صراع عالمي ، وجرائم ارتكبت في حدود صراع داخلي علي السلطة ، وأن الأخيرة تملك بلا شك إختصاصات معينة للحفاظ علي الأمن ، بما يمنحها حقوق تنفرد بها بما في ذلك الإنفراد باستخدام القوة .
ولكن ذلك حق يراد به باطل ، لأن أي قوة لها حدود قانونية ودستورية ، ولا يمكن تصور حقوقا لسلطة سياسية تمارسها بضرب الأهالي بالطائرات والدبابات .
ومع كل ذلك ، ينبغي التسليم أيضا بأن الوضع الحالي في سوريا لا يتحمل إستمرار لحالة الشقاق والتوتر ، والردع والردع المضاد ، لأن سوريا مخترقة من داخلها بجيوش دول أجنبية ، وعلي حدودها كيان توسعي متوحش يتوثب لإنتهاز فرصة الفوضي والإرتباك كي يلتهم المزيد من الأرض السورية .
لكل هذه الأسباب مجتمعة ، فأن الحكام الجدد في سوريا سوف يصنعون خيرا إذا تمسكوا برسالة المصالحة العامة ، من خلال تطبيق عدالة إنتقالية تشبه ما تم في جنوب إفريقيا، وتضمن عودة الهدوء والأمن والسلام إلي كل ربوع سوريا .
أن الخيار الآن هو البناء وليس الهدم ، ضم الصفوف لا توسعة التمزق فيها ..الخيار المؤكد هو فترة هدوء كافية تسمح بترتيب البيت السوري .
--------------------------------
بقلم : معصوم مرزوق
* مساعد وزير الخارجية السابق