انشغل السوريون أو بعضهم بما أسموه نصرا على حكم بشار الأسد، والذي ترك سوريا، برسالة مختصرة، تنقل الحكم إلى من يختاره الشعب، وزاد انشغال أهلنا في سوريا بهذه الفرحة، ولهم حق فيها طالما رأوا، فهم أصحاب القرار، في الأيام الأخيرة، أو قل الـ48 ساعة الماضية.
إلا أن للكيان الصهيوني كان له رأي مختلف، بعدما مهد الطريق لما يجري، حيث استغل الفرص ليزيد من تدمير سوريا، ليدمر منظومات الدفاع الجوي السوري وزاد كل دقيقة من توغله العسكري بالجنوب السوري، وببجاحة عالية، قال الكيان الصهيوني" أنه نفذ غارات جوية على "أنظمة أسلحة استراتيجية" داخل سوريا، مدعيا أن العمليات البرية داخل الأراضي السورية خطوة محدودة ومؤقتة، لحماية مواطنيه بعد انسحاب أفراد الجيش السوري من مواقعهم الحدودية.
الغريب في الأمر أنه تم الكشف عن بعض هذه العمليات الصهيونية ضد مواقع الدفاع الجوي السوري وعلى الأسلحة الدفاعية الاستراتيجية بأنها قد بدأت متزامنة مع الهجوم الذي شنته فصائل المعارضة المسلحة السورية قبل أسبوعين، وزادت بكثافة في يومي 8 و9 ديسمبر 2024.
ويبدو أن كثيرين لم يلتفتوا إلى ما قالته الحكومة الصهيونية، بأن عملياتها لتدمير أسلحة الدفاع السورية، "جاء بهدف أنها تخشى أن تقع أسلحة الجيش السوري والقدرات العسكرية والدفاعية "في الأيدي الخطأ"، والكل يعلم ماذا يقصد الكيان الصهيوني بكلماته، إلا ان كان أكبر من كل ذلك، وهو تدمير سوريا، وهو ما تؤكده التفاصيل.
ومن المهم أن نربط كل ذلك بما قاله الرئيس الأمريكي الحالي "جو بايدن" في تعقيبه على أحداث سوريا المتلاحقة، عندما قال الأحد الماضي"بعض الجماعات المتمردة لديها سجلها القاتم في الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان، ولا تخطئوا، بعض الجماعات المتمردة التي أطاحت بالأسد في سوريا لديها سجلها الكئيب في الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان"، مضيفا "قادة هذه الجماعات المتمردة في الأيام الأخيرة يقولون الأشياء الصحيحة الآن، ولكن مع توليهم مسؤولية أكبر، فإننا سنقيم ليس فقط أقوالهم ولكن أفعالهم"، مكررا، "وواشنطن ستقيم الأقوال وليس الأفعال فقط".
وأضاف الرئيس الأمريكي "نحن مدركون تمامًا لحقيقة أن داعش سيحاول الاستفادة من أي فراغ لإعادة تأسيس قدرتها، وإنشاء ملاذ آمن ولن نسمح بحدوث ذلك".
ولم تكتف الإدارة الأمريكية بذلك فقط، بل هي أول من استفادت بالفراغ العسكري في سوريا، وبهجة السوريون في الشوارع، حيث أقر الرئيس بايدن بشن غارات جوية أمريكية في ذات يوم سقوط حكم بشار الأسد، وفي إشارة لدعم الكيان الصهيوني في موقفه لتدمير قوى دمشق الدفاعية والعسكرية، حيث دمرت العمليات الأمريكية معسكرات داخل سوريا، بقيام سرب من طائرات حربية بضرب أكثر من 75 هدفا في وسط سوريا مستخدما 140 قذيفة ذخيرة.
ومن المهم أن يدقق الجميع فيما قاله وزير الخارجية الإسرائيلي "جدعون ساعر" ، في تعليق على ضربات الصهاينة للمواقع العسكرية في دمشق بقوله، "إن المصلحة الوحيدة لدينا هي أمن إسرائيل ومواطنيها، ولهذا السبب هاجمنا أنظمة الأسلحة الاستراتيجية في سوريا، مثل الأسلحة الكيميائية المتبقية، أو الصواريخ بعيدة المدى، حتى لا تقع في أيدي المتطرفين".
وضربت، بل دمرت القوات الصهيونية المقار القيادية للأجهزة الامنية السورية بمنطقة المربع الأمني بدمشق، وشنت ضربات على مواقع عسكرية مختلفة للجيش السوري، بما في ذلك معسكرات ومخازن أسلحة وذخائر وقواعد جوية، وعدد من منظومات الدفاع الجوي التابعة للجيش السوري باستهداف مباشر لمطار المزة بدمشق، مع تدمير منظومة دفاع جوي قصيرة المدى للجيش السوري من طراز "بانتسير" الروسية الصنع.
وفي عدوان مباشر على كل شيء، وحتى قرارات الأمم المتحدة، أعلن الصهيوني "بنيامين نتنياهو"، وهو في الجولان المحتل، يوم 8 ديسمبر، "إن اتفاقية فض الاشتباك انهارت بعد أن تخلت وحدات الجيش السوري عن مواقعها، حيث سيطرت عليها قوات إسرائيلية لضمان عدم تمركز أي قوة معادية بجوار حدود إسرائيل".
وزاد على ذلك ما قاله وزير الدفاع الإسرائيلي كاتس، "إن القوات الإسرائيلية ستنشئ منطقة أمنية خارج المنطقة العازلة القديمة والتي ستكون خالية مما أسماه "الأسلحة الاستراتيجية الثقيلة والبنية التحتية الإرهابية"، وهو ما يعني احتلال جديد لأراضي سورية جديدة، خصوصا في جبل الشيخ، مع انتهاك علني لاتفاقية فض الاشتباك لعام 1974، بالمخالفة للقانون الدولي.
لا يدرك الكثيرون خطورة ما يقوم به العدو الصهيوني وبأوامر من رئيسة بنيامين نتنياهو، للجيش بالاستيلاء على المنطقة العازلة التي تنتشر قوات الأمم المتحدة، معلنا "أنه أمر الجيش (الصهيوني) بالسيطرة على هذه المنطقة العازلة ومواقع القيادة المجاورة لها"، مضيفا "لن نسمح لأي قوة معادية بأن تستقر على حدودنا"!!، لتصبح بنود اتفاقية فض الإشتباك حبر على ورق.
ما يجري من الصهاينة أخطر ما يمكن، فالطائرات الإسرائيلية تستهدف كل شيء فقد قصفت ثلاث قواعد جوية رئيسية للجيش السوري تضم عشرات الطائرات الهليكوبتر والطائرات الحربية، وهي أكبر موجة من الضربات على القواعد الجوية، ودمرت مركز البحوث العلمية في برزة بشمال شرق دمشق، وطال القصف قاعدة القامشلي الجوية في شمال شرق سوريا وقاعدة "شنشار" في ريف حمص ومطار عقربا جنوب غربي دمشق.
المؤكد أن الكيان الصهيوني، قرر تدمير قوى الجيش السوري، في مخطط يستهدف تفريغ سوريا من أي قوات دفاعية وعسكرية، ووجهت ضربات على مركز أبحاث بالقرب من دمشق ومركز للحرب الإلكترونية داخل دمشق بمنطقة السيدة زينب بالعاصمة، بل وصل القصف إلى سفن الجيش السوري في اللاذقية بمنطقة الساحل الشمال الغربي لسوريا.
ولنقرأ جيداً ما تقوله التحليلات الصهيونية "لقد نجحت إسرائيل في غضون يومين فقط في شن عملية جوية غير مسبوقة في العقود الأخيرة، لتدمير جيش دولة، فقد تم تدمير قوام الجيش السوري من الدبابات والطائرات والمروحيات والسفن وأنظمة الدفاع الجوي والصواريخ والمصانع العسكرية ومنشآت المخابرات، وكل شيء بناه الجيش السوري لعقود من الزمن".
هل يا سادة تدركون الخطر "لقد تم تعرية سوريا جيشاً ودفاعاً.. وحسب وصف الخبراء "سوريا عادت لنقطة الصفر لبناء جيش جديد"... فليذهب الحكام إلى الجحيم فالأهم الدولة والوطن.. فأين الجميع من كل هذا" ؟!.
------------------------------
بقلم: محمود الحضري