06 - 05 - 2025

الصراع العربي الإسرائيلي .. قضية صنعتها الخيانة واستمرت بفعل التخاذل

الصراع العربي الإسرائيلي .. قضية صنعتها الخيانة واستمرت بفعل التخاذل

منذ عام 1948، والعالم يشهد أفظع عملية سطو مسلح على أرض شعب بأكمله تحت أعين المجتمع الدولي، الذي لم يكن شاهدًا فقط، بل كان شريكًا في الجريمة. القضية الفلسطينية ليست مجرد صراع بين طرفين؛ إنها نموذج صارخ للتواطؤ الدولي، ولعجز الأنظمة العربية عن حماية كرامتها وشعوبها، ولصمود شعب أعزل أمام آلة عسكرية وحشية مدعومة عالميًا. هذه ليست كلمات منمقة، بل حقيقة واضحة يجب أن تُقال دون خوف أو تزييف، لأن التاريخ لا يرحم الخونة ولا المتخاذلين.

1948: البداية... جريمة القرن

إعلان قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي على أرض فلسطين في 14 مايو 1948 كان تتويجًا لعقود من التآمر الدولي بقيادة بريطانيا، التي سلمت الأرض للمهاجرين الصهاينة، والولايات المتحدة التي دعمت المشروع بغطاء سياسي واقتصادي كامل. النتيجة كانت تهجير 750 ألف فلسطيني بالقوة، وتدمير أكثر من 500 قرية، وإقامة كيان استيطاني يقوم على الإبادة والتطهير العرقي.

لم يكن الرد العربي على النكبة سوى سلسلة من الفشل والارتجال، حيث أرسلت الأنظمة جيوشًا غير منظمة، بلا استراتيجية ولا قيادة موحدة. انتهت الحرب الأولى بهزيمة عربية مدوية، وبداية مشروع استيطاني توسعي لا يزال يتمدد حتى اليوم.

1956: العدوان الثلاثي وخيانة مصر

العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956 كان رسالة واضحة بأن الكيان الصهيوني ليس مجرد دولة قائمة بحد ذاتها، بل أداة بيد القوى الاستعمارية الكبرى. شاركت إسرائيل في الحرب إلى جانب بريطانيا وفرنسا لضرب مصر وكسر إرادة عبد الناصر الذي حاول إعادة الكرامة العربية بعد النكبة. رغم فشل العدوان سياسيًا، إلا أن دوره كان تكريسًا لتحالف صهيوني غربي هدفه القضاء على أي مشروع قومي عربي.

1967: النكسة وتوسيع الاحتلال

جاءت نكسة يونيو 1967 لتؤكد أن الأنظمة العربية لم تتعلم شيئًا من دروس النكبة. في ستة أيام فقط، تمكنت إسرائيل من احتلال سيناء، والضفة الغربية، وقطاع غزة، والجولان السوري، لتصبح القوة العسكرية المهيمنة في المنطقة.

النكسة لم تكن مجرد هزيمة عسكرية؛ كانت كارثة سياسية ونفسية، حيث انهارت الثقة في قدرة الأنظمة العربية على مواجهة المشروع الصهيوني، بينما عزز الاحتلال قبضته على الأراضي المحتلة، وبدأ في تنفيذ مشروع الاستيطان وتهويد القدس.

1973: حرب الكرامة الضائعة

حرب أكتوبر 1973 كانت لحظة أمل أعادت للعرب بعضًا من كرامتهم المهدورة. تمكنت الجيوش المصرية والسورية من تحقيق انتصارات ميدانية هامة، لكن المكاسب العسكرية لم تُترجم إلى مكاسب سياسية حقيقية.

اتفاقية كامب ديفيد التي تلت الحرب كانت طعنة في ظهر القضية الفلسطينية. فقد أخرجت مصر من معادلة الصراع، وفتحت الباب أمام التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني. في حين استعادت مصر سيناء، بقي الفلسطينيون وحدهم في مواجهة الاحتلال، الذي استغل هذا الانفصال العربي لتعزيز وجوده واستيطانه.

الانتفاضات الفلسطينية: نبض المقاومة

منذ اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987 وحتى الانتفاضة الثانية في عام 2000، قدم الشعب الفلسطيني نموذجًا فريدًا للصمود والمقاومة. الأطفال بالحجارة والشباب بالعمليات الفدائية أعادوا وضع القضية الفلسطينية على خريطة العالم، لكن الرد الإسرائيلي كان دائمًا دمويًا، مدعومًا بصمت دولي وعربي مخزٍ.

رغم كل هذا، لم تتوقف روح المقاومة، حيث أدرك الفلسطينيون أن تحرير الأرض لا يأتي بالتفاوض أو التنازل، بل بالنضال المستمر.

2008-2024: الحصار والتطبيع والخيانة العلنية

قطاع غزة، الذي أصبح رمزًا للصمود، يعيش تحت حصار خانق منذ أكثر من 15 عامًا. الحروب الإسرائيلية المتكررة على القطاع، من 2008 إلى 2021، دمرت البنية التحتية، وقتلت الآلاف، لكنها لم تكسر إرادة الشعب.

في المقابل، بدأت بعض الأنظمة العربية بالانحراف الكامل عن القضية، لتدخل في موجة تطبيع علني مع الكيان الصهيوني، تحت ذريعة "السلام الإقليمي" أو "مواجهة إيران". هذه الخطوات ليست مجرد خيانة للقضية الفلسطينية، بل تمثل انقلابًا على كل القيم والمبادئ التي قامت عليها القومية العربية.

الأسباب الحقيقية للأزمة

1. الدعم الغربي المطلق لإسرائيل: الولايات المتحدة وأوروبا تقدم لإسرائيل دعمًا سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا غير مشروط.

2. التخاذل العربي: الأنظمة العربية، بدلًا من دعم المقاومة، انشغلت بالخلافات الداخلية وبمصالحها الخاصة.

3. الانقسام الفلسطيني: الانقسام بين الفصائل الفلسطينية أضعف الجبهة الداخلية، وسهّل على الاحتلال تنفيذ مخططاته.

4. التطبيع العربي: التطبيع مع إسرائيل منح الاحتلال غطاءً شرعيًا لمواصلة جرائمه.

5. غياب مشروع عربي موحد: فشل الأنظمة العربية في تقديم مشروع قومي حقيقي لتحرير فلسطين أو دعم المقاومة.

ما الحل؟

1. وحدة فلسطينية شاملة: إنهاء الانقسام الداخلي الفلسطيني، والعمل تحت قيادة وطنية موحدة تجمع كل الفصائل.

2. تصعيد المقاومة: المقاومة بكافة أشكالها هي السبيل الوحيد لمواجهة الاحتلال.

3. رفض التطبيع: الشعوب العربية يجب أن تقف ضد موجة التطبيع، وأن تدعم المقاومة بكل الوسائل.

4. دعم الشعوب: الشعوب العربية والإسلامية يجب أن تضغط على أنظمتها لتبني موقف واضح لدعم فلسطين.

5. إعادة بناء النظام العربي: لا يمكن أن نواجه الاحتلال بمنظومة عربية خاضعة للإملاءات الغربية.

وعلينا أن نعى جيدا ان الشعب الفلسطيني الذي يعاني منذ عقود من الاحتلال والتشريد والإبادة، لا يمكن أن تُقاس تضحياته بالزمن، بل بالآلام التي يعايشها يومًا بيوم. أمة بأكملها تجد نفسها محاصرة في أرضها، تلاحقها قوى الطغيان والاحتلال بكل الوسائل، بينما تهمل الضمائر الإنسانية معاناتها. إن تحرير فلسطين ليس مجرد شعار أو هدف سياسي، بل هو حق إنساني يجب أن يُستعاد، وهو ضرورة تحتمها العدالة.

أينما كانت فلسطين، وأينما كان الفلسطينيون، سيظل الشعب الأعزل يواجه آلة الحرب والقتل بكل شجاعة وصمود، لا ليطلب الرحمة، بل ليُعلم العالم أجمع أن الحقوق لا تُستجدى، بل تُنتزع. شعوب العالم كلها يجب أن تتوحد لدعم هذا الحق، لأن في تحرير فلسطين، يتجسد مفهوم العدالة والحرية لكل شعب تحت ظلم الاحتلال، ولكل إنسان في هذا العالم يعاني من اضطهاد.

الحرية لفلسطين، هي بداية لحرية كل الشعوب المستضعفة في أنحاء العالم، والعدالة لفلسطين هي استعادة الحقوق المغتصبة، وتأكيد مبدأ الحق على الظلم، والإرادة على الاستسلام. لا يمكن للعالم أن يبقى صامتًا أمام هذا الصراع الأبدي، فالشعوب التي تتغاضى عن قهر فلسطين ستجد نفسها غارقة في معاركها الخاصة، ومعاناتها ستظل تتزايد طالما ظلت هذه القضية في ظل التجاهل.

القدس، وفلسطين كلها، في وجداننا، ونحن مستمرون في دعمهم بكل وسيلة ممكنة، إلى أن يتحقق النصر وتعود الأرض لأصحابها الشرعيين.

الخلاصة

القضية الفلسطينية هي قضية كرامة عربية وإسلامية وإنسانية، وهي قضية لا تموت لأنها مغروسة في وجدان الأمة. المقاومة ليست خيارًا، بل واجب. التطبيع خيانة، والصمت العربي جريمة. لن تعود فلسطين إلا بالنضال المستمر وبوحدة الصف. علينا أن نقف مع فلسطين لا بالكلمات، بل بالأفعال. فالحرية لا توهب، بل تنتزع انتزاعًا، ومن يتخاذل اليوم، سيدفع ثمن خيانته غدًا.
---------------------------
بقلم: محمد عبدالمجيد هندي
قيادى عمالي مستقل ، مؤسس ورئيس المجلس القومى للعمال والفلاحين تحت التأسيس


مقالات اخرى للكاتب

يوم الشهيد.. ملحمة الوفاء وتاج العزة للوطن