"إلى من راهن علينا ومن لم يُراهن، إلى من ظنَّ يومًا أننا كُسرنا، نزُف لكم من شاشة الإخبارية السورية انتصار الثورة السورية العظيمة بعد ثلاثة عشر عامًا من الصبر والتضحيات، لقد كسبنا الرهان وأسقطنا نظام الأسد المجرم"؛ هكذا أعلن مذيع قوات المعارضة السورية يوسف اليوسف، سقوط نظام بشار الأسد.
لحظة جديدة في تاريخ سوريا الحديث، أن يُعلن التليفزيون الرسمي السوري انتصار الثورة السورية، وإسقاط نظام الأسد.
وكانت أحداث الثورة قد بدأت في شكل احتجاجات شعبية في شوارع سوريا في مارس 2011، حيث تجمَّع العشرات من المواطنين والتجارونددوا باعتداء قوى أمنية على أحد التجار، ثم ظهرت كتابات على جدران مدينة درعا تطالب الرئيس بشار الأسد بالرحيل، فقامت مخابرات النظام بتوقيف من اشتبهت بهم والذين كانوا مراهقين دون سن الـ 18؛ وذلك وفق رواية المعارضة، وأعلنت المخابرات وقتها أن تدخل القوات الأمنية لم يكن إلا لمواجهة عصابات مسلحة وإرهابية في المدن السورية.
تطورت الأحداث بعدما وجَّهت المخابرات إهانات إلى الوجهاء الذين طالبوا بإطلاق سراح المعتقلين، لتكون تلك هي الشرارة الأولى التي أشعلت المحافظة بمظاهرات عديدة بدأت من يوم 18 مارس في باقي المحافظات مثل حمص وإدلب وريف دمشق.
مع رد فعل النظام السوري في إيقاف التظاهرات وإطلاق النار على المتظاهرين وسقوط أول ضحايا الاحتجاجات، اندفع المتظاهرون الغاضبون لرفع سقف المطالب والانتقال من المناداة بالإصلاح وتوسيع الحريات، إلى المطالبة بإسقاط النظام السوري.
بدأ النشطاء السياسيون في الظهور تدريجيًا وتنظيم التظاهرات وتحديد مواعيد وأماكن الخروج إلى الشارع، وتنسيق الشعارات فيما بينهم، وبعد أشهر قليلة ظهرت لجان التنسيق المحلية ما تُعرف شعبيًا بـ "تنسيقيات الثورة"، ثم انتظمت بشكل أكبر تحت اسم "اتحاد تنسيقيات الثورة السورية" الذي أصدر بيانه الأول في يونيو 2011، وأصبح مسؤولًا عن تحديد يوم الجُمعة موعدًا للخروج في التظاهرات، وذلك باستغلال التجمعات الشعبية في المساجد.
بداية العمل المسلح
بعد شهرين من انطلاق التظاهرات؛ رأت لجان التنسيق ضرورة الانتقال من التظاهرات إلى الاعتصامات الكبيرة في ساحات المحافظات العامة، وتعرض المتظاهرون لإطلاق نار يُعتقد أنه صدر من معسكر المسطومة قبل مدخل مدينة إدلب الغربي، مما أدى إلى مقتل 8 متظاهرين وجرح عدد آخر وانشقاق بعض عناصر القوات الأمنية التي استنكرت الفعل، ومن بعدها عاد المتظاهرون الغاضبون إلى مدن وبلدات إدلب واستولوا على أسلحة خفيفة بعد اقتحام مخافر الشرطة وأفرع حزب البعث العربي الاشتراكي، واستخدموها فيما بعد في منع القوات الأمنية من التوجه إلى مدينة جسر الشغور في مطلع يونيو 2011.
واعترض شبان مسلحون القوات الأمنية التي كانت تسعى إلى فض اعتصام جديد في ساحة المدينة يشارك فيه الآلاف عند بلدة أورم الجوز غرب مدينة أريحا، الواقعة على طريق "أم فور" القوات الأمنية وتبادلوا إطلاق النار معها.
تطورت الأحداث ليحاصر الشبان مفرزة الأمن العسكري في مدينة جسر الشغور، واشتبكوا معها بعد إطلاق عناصر المفرزة، النار على المتظاهرين المتجمعين أثناء تشييع أحد ضحايا الاحتجاجات.
بدأت بعد هاتين الحادثتين، الانشقاقات العسكرية عن الجيش في الظهور في بداية يونيو 2011، والذي تم الدفع به للسيطرة على المدن والبلدات، وكان المقدم حسين هرموش أول المنشقين، والذي أعلن عن تأسيس حركة الضباط الأحرار، وتبنى نصب كمائن للقوات الأمنية باتجاه مدينة جسر الشغور.
لم يستمر المشهد طويلًا، حيث سيطر جيش النظام السوري على جسر الشغور بعد الإعلان عن الحركة، وغاب الهرموش عن المشهد بعد اعتقاله ثم إعدامه.
ظهر بعدها العقيد المنشق رياض الأسعد، الذي أعلن من ريف إدلب الجنوبي، تأسيس ما يسمى بالجيش السوري الحر في يوليو 2011، وفي أواخر عام 2012 استضافت تركيا مؤتمرًا جمع أكثر من 300 شخصية معارضة سورية وعسكريين يقودون كتائب مسلحة، وتم الإعلان عن هيئة أركان برئاسة العميد المنشق سليم إدريس، أصبحت هي المسؤولة عن استلام الدعم العسكري الذي تقدمه الدول، للمعارضة السورية، وتوزعه على الفصائل العسكرية الموزعة على 4 مناطق جغرافية.
أسست الدول الداعمة للمعارضة السورية في عام 2013 و2014، غرفتي تنسيق الدعم "الموك" و"الموم" وهما غرفتا قيادة وتنسيق أوامر مخصصة للجنوب والشمال السوري، ومع هذه التطورات أصبحت الفصائل العسكرية تعتمد بشكل شبه كامل على الدعم الدولي.
وقعت في عام 2014 جملة من الأحداث أثَّرت بشكل كبير على واقع هذه الفصائل إلى أن وصلت إلى مرحلة تقاسم النفوذ التي عاشتها الأراضي السورية خلال العشر سنوات الأخيرة.
تنظيم داعش
ظهر تنظيم داعش في سوريا والعراق، منذ منتصف عام 2013، ومع حلول صيف 2014 توسَّع نشاطه بشكل أكبر وتم الإعلان عن "الخلافة الإسلامية" ومبايعة أبو بكر البغدادي لخلافة التنظيم، الذي استقطب الآلاف من المقاتلين العراقيين والسوريين والأجانب.
وسَّع تنظيم داعش، سيطرته على حساب فصائل المعارضة السورية المسلحة، خاصة في أرياف حلب وإدلب وحماة وحمص، مما أدى إلى تفكيك فصائل بارزة في المعارضة السورية، وأدى ذلك إلى إعلان أكثر من 60 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، تشكيل التحالف الدولي في سبتمبر 2014، لمحاربة تنظيم داعش في سوريا والعراق.
ونشرت القوات الأمريكية المئات من المقاتلين بشكل تدريجي شمال شرق سوريا، ووزعتهم على أكثر من 9 مواقع في الحسكة ودير الزور والرقة، وبعد جُملة من الأحداث بين المعارضة السورية المسلحة وتنظيم داعش والتحالف الدولي، كادت المعارضة أن تحسم الحرب لصالحها في مطلع عام 2015 حيث تمكنت من الاستحواذ على مساحات واسعة من الأراضي السورية، عندما شنت هجومًا متزامنًا على مواقع النظام في دمشق وإدلب نتج عنه السيطرة بشكل شبه كامل على محافظة إدلب والوصول إلى أبواب محافظة اللاذقية، التي تُعد أكبر داعم شعبي للنظام.
تدخلت روسيا وتركيا في العمليات العسكرية في شمال وجنوب سوريا، أفرزت انقسام مناطق السيطرة بين قوات سوريا الديمقراطية شمال شرق سوريا، وفصائل الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا والمنتشر في ريف حلب وأرس العين وتل أبيض، ومنطقة إدلب الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام التي انفكت عن تنظيم القاعدة وأعلنت تخليها عن اسم جبهة النصرة في صيف 2016، فيما حافظ النظام السوري على مساحة واسعة من الأراضي السورية بدعم من إيران وروسيا.
تجمَّدت الأوضاع في سوريا ميدانيًا وسياسيًا منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار برعاية روسية تركية في محافظة إدلب في مارس 2020، توقفت على إثره العمليات العسكرية بين قوات المعارضة المسلحة وقوات النظام في شمال غربي سوريا.
انطلاق عملية ردع العدوان
وبعد مرور أربع سنوات من توقف العمليات العسكرية، وفي الساعات الأولى من صباح يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024، شنَّت فصائل المعارضة السورية عملية عسكرية ضد القوات الحكومية السورية وحلفائها باسم "ردع العدوان"، عقب مواجهات عنيفة شهدتها مناطق الاشتباك في ريف حلب الغربي وريف إدلب الشرقي، وحققت المعارضة المسلحة تقدمًا كبيرًا وظهرت في ثوب أكثر تماسكًا وتنظيمًا ونجحت في السيطرة على 20 بلدة وقرية في ريفي حلب وإدلب، إلى جانب قاعدة الفوج 46 النقطة الاستراتيجية الأهم في الطريق إلى حلب.
واستمرت القوات في التقدم في الأيام التالية على مدار الأحد عشر يومًا الماضية، وسيطرت على عدة مناطق في جميع أنحاء البلاد، فيما انسحبت القوات الحكومية أمام هذا التقدم، مما أدى إلى استيلاء قوات المعارضة على كميات كبيرة من الأسلحة التي تركها النظام خلفه، شملت دبابات وبطاريات نظام دفاع جوي ومروحيات وطائرات مقاتلة.
حاولت قوات النظام تعزيز قواتها حول محافظة حماة، كما شنت روسيا عدة غارات جوية عنيفة، إلا أن المعارضة نجحت في سيطرتها على المدينة والانطلاق نحو سجنها المركزي، وتمكنت من إخراج مئات السجناء.
كان سقوط حماة بمثابة شهادة وفاة للنظام، وهو ما فتح الطريق لقوات المعارضة للاستيلاء على عدة بلاد حتى وصلوا إلى مشارف مدينة الرستن، ولمواجهة هذا التقدم شنت القوات الروسية غارة على الجسر الرئيسي الرابط بين حماة وحمص في محاولة لعرقلة زحف المعارضة، إلا أنها فشلت في ذلك.
وتوالى تقدم المعارضة مع انسحاب قوات الجيش السوري من عدة مواقع بالدولة السورية، ختامًا بهروب الرئيس بشار الأسد خارج البلاد، إلى أن سيطروا على العاصمة دمشق وإعلان نجاح الثورة وإسقاط نظام بشار الأسد.
حصد الشعب السوري نِتاج ثورته بعد 13 عامًا وبضعة أشهر، ويقف الآن أمام مرحلة انتقالية وحقبة تاريخية جديدة، سيحكم التاريخ على كل من شارك فيها بما له وما عليه.
------------------------------
تقرير - إيمان جمعة