كتبت كثيرا عن سوريا ، ولكن لا أظن أنني أرغب في إعادة ما سبق أن تحدثت فيه ، وأغضب بعض الرفاق من القوميين العرب !.
فقط ، ما هو تفسير الإنهيار الشامل للجيش السوري ؟.
لقد كان هذا الجيش - ولايزال- رهان الأسد الوحيد ...
ولكن .. أين الشعب السوري ؟.
في إحدي زياراتي لسوريا ، هالتني صور الأسد الضخمة المرسومة بطول وعرض العمارات ..
استضافتنا أسرة علي الغذاء لمجرد أن تسمع اللهجة المصرية ..
قالت الجدة أنها كانت في الميدان حين كان ناصر يخطب ..
سألتُ مشيرا إلي لوحة هائلة للزعيم : "من الواضح أنه استحوذ علي حب الشعب كله" .
أجابت الجدة هامسة وهي تقلب عينيها هلعاً :" ندعو الله عليه في كل صلاة " .
قال الشيخ الكبير بحذر وهو يشير إلي اللوحة : لقد قام عمه رفعت الأسد بذبحنا في حماه عام 1982 ، كانت الجثث في كل مكان ، أربعون ألف شهيد علي أقل تقدير ..
قالت الإبنة التي كانت سبب التعارف ، أنهم كانوا أغنياء ويمتلكون متاجر ، لم يتبق معهم شيئاً..
وجدت الخوف في كل العيون ، حتي في سوق الحميدية الشهير ، كان الباعة وكأنهم فجأة فقدوا براعتهم في التفاوض ، التي عرفتها من بعض الشوام في مصر ..أنهم يريدون أن يبيعوا بضائعهم بأي سعر هربا من حالة الكساد والفقر .
وكأنما شحب نهر بردي وجف حزنا علي حال الناس ، وقد أذهلني عندما توجهت للمعرض الكبير في منتصف دمشق ، أن ذلك المجري المائي الذي لا يزيد عن قناة ضحلة المياه هو " بردي " الذي كم قرأنا الأشعار عن جماله ، وتغنينا برونقه.
لا أعتقد أن ذلك الإنهيار في الجيش السوري نتج عن جبن أو خوف أو ضعف عقيدة ، وإنما هو نتيجة لإنهيار كل شئ آخر في المجتمع السوري .
لقد حكمت عائلة الأسد لمدة تناهز الآن ما يزيد علي نصف قرن ...وربما يفكر بشار في خروج آمن ، يحفظ للسوريين بعض ما تبقي من بلادهم ..وربما تعود سوريا ذات يوم مرة أخري .
---------------------------
بقلم : معصوم مرزوق
* مساعد وزير الخارجية السابق