25 - 01 - 2025

"الاتحاد الوطني" حجر كبير في بحيرة الحياة الحزبية قد يعيد مشهد الهرولة نحو حزب الرئيس قبل 46 عاما

في خريف 1978 أسس الرئيس الراحل محمد أنور السادات الحزب الوطني الديمقراطي ليكون بديلا عن حزب مصر العربي الاشتراكي الذي سبق أن أسسه عام 1976 مع تحويل المنابر إلى أحزاب ، وبمجرد اعلان السادات عن انشاء الحزب الوطني الديمقراطي في 2 أكتوبر 1978، حتى شهد حزب مصر نزوحاً جماعياً. ففي أقل من 24 ساعة هرع جميع أعضاء حزب مصر الذي كان يشكل الغالبية البرلمانية إلى الحزب الوطني، باستثناء ثلاثة أعضاء هم ممدوح سالم وعبد العظيم أبو العطا وجمال ربيع.
***

بعد 46 عاما وفي خريف 2024 عقد اجتماع طويل وغامض بأحد فنادق شرق القاهرة استمر لأربع ساعات متصلة الثلاثاء الماضي يؤكد ماتسرب عنه من معلومات أنه يستهدف تأسيس حزب جديد يحمل اسم "الإتحاد المصري الوطني" من رحم اتحاد القبائل العربية الذي يتولى الرئيس عبدالفتاح السيسي الرئاسة الشرفية له، كما حضر احتفالية نظمها الاتحاد بمناسبة الذكرى الـ51 لانتصارات أكتوبر، وأنه تم خلال الاجتماع استعراض الهيكل التنظيمي للحزب وآليات اختيار الأعضاء، إضافة إلى كيفية الإعلان عن الحزب وإطلاقه على الساحة السياسية المصرية.

تؤكد التسريبات المبدئية أن الحزب الذي يجري تأسيسه يستهدف ثلث مقاعد البرلمان المقبل التي تجري انتخاباته عام 2025، ويضم شخصيات بارزة يتصدرها الشيخ إبراهيم العرجاني ، رئيس اتحاد القبائل العربية، والدكتور علي عبدالعال رئيس البرلمان السابق، وعادل لبيب، وزير التنمية المحلية الأسبق، والدكتور عاصم الجزار، وزير الإسكان السابق، ونيفين القباج، وزيرة التضامن الاجتماعي السابقة، والدكتور خالد فهمي وزير البيئة الأسبق، والسيد القصير وزير الزراعة السابق، ، والنائب سليمان وهدان، وكيل مجلس النواب، واللواء أحمد صقر محافظ القليوبية السابق والسيد الإدريسي أحد قيادات الصوفية، كما يضم أيضًا نوابا حاليين وسابقين أبرزهم: عاطف مخاليف، وأحمد رسلان، ومجدي مرشد، وهشام الشعيني، ومارجريت عازر، وفيصل الشيباني، والدكتور هشام مجدي.

مايؤكد جدية الأمر أن البرلماني والإعلامي مصطفى بكري أكد في برنامجه حقائق وأسرار، نهاية الأسبوع الماضي، "أن الفترة المقبلة ستشهد وجود حزب سياسي جديد في مصر، كمان هنشوف وجوه جديدة هتظهر على الساحة الحزبية». 

تقول المعلومات الأولية أن الحزب - الذي لم يستقر على اسمه بعد - سوف يديره مجلس رئاسي من خمس شخصيات، لن يخرج اختيارهم عن القائمة التي ذكرناها. كما ينتظر استكمال الاجتماعات التحضيرية للحزب خلال الأيام المقبلة للبدء في إجراءات تأسيسه، وسيتم البدء بجمع توكيلات من المؤسسين في أكثر من محافظة، وفي حال تم التوافق على كل ما يتعلق بالنظام الأساسي سيتم إخطار لجنة شئون الأحزاب بطلب التأسيس. على أن تمول نشاطه في البداية مؤسسة "العرجاني جروب".

قدر كبير من التكتم حول تفاصيل اجتماع الساعات الأربع من المشاركين فيه، فالنائب سليمان وهدان، رفض التحدث عن أي تفاصيل بشأن تأسيس الحزب الجديد  قائلا: "إنه غير مسموح له الإدلاء بأي تصريحات لكنه لم ينفِ وجود مشاورات بشأن تأسيس حزب، في حين أكد السيد القصير، المساعي المكثفة لتأسيس الحزب الجديد، دون أن يكشف التفاصيل.أما النائب السابق عاطف مخاليف، فنقل عنه أن الحزب الجديد يولد من رحم "اتحاد القبائل"، وهدفه حسب قوله: "لم شمل النسيج الوطني تحت مظلة كيان واحد"، وأن أهداف الحزب، هي المشاركة السياسية الفعالة التي تخدم الدولة المصرية، من ناحية، وتنمية المواطن وحل مشاكله وتوعيته في ظل الظروف والتوترات في المنطقة". وأوضح أن "الحزب الجديد سيكون منفتحا على كل التيارات، لأن استحواذ تيار بعينه على الأغلبية النيابية يمثل "خطرا كبيرا جدًا"، وبابه مفتوح أمام الجميع للانضمام والمشاركة، فالهدف الأسمى هو خدمة مصر".

مصادر تؤكد أن الحزب فور إشهاره رسميا، سيبدأ في تدشين أمانات في المحافظات، ويتوقع مؤسسوه أن يلقى قبولا كببرا في الساحة الحزبية، نظرا للأسماء البارزة التي يضمها سواء المشاركة في اجتماعاته التشاورية أو التي يتوقع أن تعلن إنضمامها للحزب. لكنه يستهدف مبدئيا 30% من مقاعد البرلمان الجديد الذي تجري إنتخاباته العام المقبل، بعدما شهدت انتخابات العام 2020 تصدر حزب "مستقبل وطن" للنتائج وحصل على 315 مقعدا (تمثل الغالبية)، تلاه المستقلون بـ93 مقعدا.

على أعين الدولة

حتى اللحظة لاتوجد معلومات مؤكدة حول رعاية السلطة للحراك الحزبي المنتظر إذا ماتم تأسيس الحزب ، لكن إعمال أبسط أدوات التحليل السياسي تؤكد أن الحزب الوليد إما أنه يولد في كنف السلطة ليحل محل حزب "مستقبل وطن" أو يقاسمه الغالبية البرلمانية ، أو على الأقل بضوء أخضر منها انتظارا لما يمكن أن يحوزه بعد التأسيس، خاصة بعدما  أثار "اتحاد القبائل والعائلات المصرية" جدلاً منذ إعلان تأسيسه في مايو الماضي، برئاسة العرجاني، الذي سبق أن استعانت به السلطات المصرية في حربها ضد «التنظيمات الإرهابية» بشمال سيناء. واتضح أن "اتحاد القبائل" الذي تشكّل بوصفه جمعية أهلية يرغب في لعب دور سياسي. 

مايعزز افتراض ولادته في كنف الدولة أن 10 وزراء سابقين، يشاركون في اجتماعاته التأسيسية ومعهم برلمانيون حاليون وسابقون، إضافة إلى رئيس مجلس النواب السابق، وبالطبع لايمكن أن تشارك هذه الكوكبة من مرتبطين سابقين بجهاز الدولة دون إشارة قبول وتحفيز من جانبها.

ويشترط قانون الأحزاب ، تقديم إخطار للجنة شؤون الأحزاب (وهي لجنة قضائية)، مصحوباً بتوكيلات 5 آلاف عضو من المؤسسين على الأقل، على أن يكونوا من 10 محافظات في الحد الأدنى، بما لا يقل عن 300 عضو من كل محافظة، ويعدّ الحزب مقبولاً بمرور 30 يوماً على تقديم إخطار التأسيس دون اعتراض لجنة شؤون الأحزاب عليه.

ورغم أن اتحاد القبائل لم يشر إلى رغبته في تأسيس حزب، في بيان نشره عبر صفحته على «فيسبوك»، مكتفيا بالقول أن اجتماع مساء الثلاثاء، عقد في إطار "دورالاتحاد الوطني والمجتمعي، وأنها جمعت تحت مظلتها نخبة من القيادات الشعبية وقيادات الاتحاد وتم خلاله تسليط الضوء على الجهود الرامية للاتحاد، بما يشمل مجالات سياسية"، إلا أن إقدام حزب الوفد على فصل عضو هيئته العليا سليمان وهدان لانضمامه لحزب آخر يؤكد ما حاول بيان اتحاد القبائل تحاشي ذكره.

وفيما رأى الدكتور مصطفى كامل السيد، أن فكرة تأسيس الحزب، "تخالف القانون المصري، الذي يحظر إقامة أحزاب على أساس طائفي أو طبقي أو ديني"، وأنه "لن يشكل إضافة؛ كون فلسفته قائمة على دعم الرئيس، وهي فكرة تجسدها أحزاب أخرى قائمة بالفعل"، يؤكد الدكتور عمرو الشوبكي، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية "مشروعية الفكرة من حيث المبدأ"، لكنه تساءل عن مدى الحاجة إلى حزب جديد مؤيد للرئيس، في ظل وجود أحزاب شبيهة! لكن مناقشة تفاصيل ماينوي الحزب فعله من الاعتماد على رجال الحزب الوطني السابقين في الصعيد وفي وجه بحري من أجل ضمان أكبر قاعدة جماهيرية، وملء الفراغ الذي تركه حل الحزب بعد الفشل في صناعة بديل يملأ الفراغ الذي تركه، ربما يعطي مسوغا لإنشاء حزب جديد. 

في كل الأحوال فإن تأسيس الحزب سيؤدي ولو لفترة إلى تحريك مياه السياسة الراكدة في مصر، رغم أن "اتحاد القبائل" الذي يولد في كنفه، رأى فيه البعض خطورة ، وحذروا من تكرار تجارب مرة وقاسية في بلدان مجاورة لكيانات ظلت تعمل تحت أعين السلطة، ثم تغير موقفها.
***

هل تشهد مصر هرولة جديدة من حزب مستقبل وطن إلى الحزب الجديد مكررة ماحدث قبل 46 عاما، يبقى ذلك في علم الغيب حتى اللحظة، لكن الخطوة تستدعي تذكر ماكتبه مصطفى أمين وقتها ، "كنت أتمنى لو أن أعضاء مجلس الشعب لم يهرولوا إلى الانضمام إلى حزب الرئيس السادات الجديد. كنت أتمنى لو أنهم انتظروا حتى أعلن السادات برنامج الحزب وبحثوه ودرسوه ثم اقتنعوا به، وبعد ذلك قرروا الانضمام.. كنت أتمنى لو أنهم انتظروا حتى يتألف الحزب فعلا".

ويروي الكاتب محمود فوزي في كتابه "ما بين الرؤساء والكُتَّاب ما صنع الحداد"، بأن الرئيس السادات طالب وقتها بحذف اسم مؤسسي "أخبار اليوم"، مصطفى وعلي أمين. لكن هناك من نصحه بأن ذلك سوف يثير ضجة لأنهما المصريين الوحيدين اللذين أسسا صحيفة من الصحف الموجودة في مصر. فـ"الأهرام" مكتوب عليها "أسسها سليم وبشارة تقلا" وهما لبنانيان و"روزاليوسف" مكتوب عليها "أسستها فاطمة اليوسف"، وهي لبنانية، و"المصور" مكتوب عليها "أسسها إميل وشكري زيدان"، لذلك تم حذف أسماء جميع مؤسسي الصحف. ولم تكن المرة الأولى، فعندما كان مصطفى أمين في السجن جاءه وكيل المخابرات العامة وقال له: "إن الرئيس جمال عبد الناصر قرر حذف اسمي المؤسسين عن صحف "أخبار اليوم"، فما رأيك في الأمر؟" أجاب مصطفى أمين: "رأيي أن هرم الجيزة ليس مكتوبا عليه بناه خوفو ولكن الناس جميعاً يعلمون تلك الحقيقة ".
---------------------------------
تقرير: هيباتيا موسى