كان هذا هو عنوانا سابقا لأحد مقالاتى إبان حرب الخليج، ساعتها كانت القنوات الإخبارية تتسابق عبر مراسليها لنقل الأحداث لحظة بلحظة من داخل أرض المعركة، وكان من الطبيعى أن يكون مصدرى الأول التلفزيون المصرى الذى أوفد حينها مراسلاً يدعى : سيد الشاذلى .. حاولت جاهداً أن أعرف ما يدور من أحداث لكنى فشلت تماماً فلجأت إلى مصادر عديدة لتفى بالغرض .. رأيت قناة الجزيرة بإمكانياتها الجبارة وكثرة مراسليها وسرعة التغطية وظهر التفوق المهنى واضحاً حتى أن معظم المحطات الإخبارية كانت تنقل عنها الكثير، وتراجعت محطة ال CNN الأمريكية وتقلص عدد مشاهديها فى المنطقة العربية على الأقل .. نعود بعد ذلك الى مراسلنا : سيد الشاذلى الذى كان ينقل لنا رسالته اليومية عما يدور فى أرض العراق من معارك .. رأيته يقف تحت نخلة فى اليوم الأول وتوالت المشاهد والإحداث ولم ينتقل ولم يبرح مكانه من تحت النخلة وكأنه جاء إلى بغداد ليطمئنا على نخيل العراق أنه ما زال سامقاً وبخير، وكان حينها صفوت الشريف هو وزير الإعلام ولم يترك حديثاً ولا مناسبة إلا حدثنا عن ريادتنا الإعلامية فى المنطقة العربية وكان الواقع شيئاً أخر.
ومرت السنون وبعد أكثر من عقدين من الزمن، ها نحن لم نبرح النخلة.. أنظروا معى إلى ما يقدمه تلفزيون الدولة الرسمى من برامج ولقاءات، لا جديد المعدون لا يتغيرون، الوجوه والأفكار هى ذات الوجوه التى سئمنا طلتها ونفس الأفكار السطحية، وعروض الأزياء ووابل من البرامج الدينية المقلدة والمعادة، كما تحول الإعلام إلى إعلان وكأن الهدف الأساسى ملء ساعات الإرسال ليس إلا.
هناك العديد من الكتاب والمبدعين وخبراء الإعلام ، استعينوا بهم فى صناعة إعلام حقيقى سئمنا إعلام الروبوت الذى يتلقى التعليمات الأمنية التى أعاقت كل شئ، وانسحب المبدعون وتحولوا إلى القنوات العربية التى تفوقت علينا بنفس عقول وأفكار أبنائنا، كما أن القنوات الخاصة لم تقدم ما يميزها عن إعلام الدولة، بل نافسته فى نفاق الدولة والتماهى معها فى كل شئ، وتحول المشهد إلى ضجة إعلامية أصابت المواطن بالملل .. ولا أدرى لماذا الإصرار على تلك الوجوه المستفزة للمشاهد الطاردة لكل رغبة فى إعلام جاد وحقيقى يحترم عقل المتلقى وفكره؟
لذا آن الأوان لإعادة النظر فى خارطة الإعلام المصرى ليحظى بالمكانة التى تليق بإعلام دولة بحجم مصر .. وكلى ثقة أن هناك من الخبراء الإعلاميين يستطيعون ذلك، فمصر لديها من الكفاءات الكثير والكثير فى كل المجالات .. ليس فى الإعلام فقط فهل أنتم فاعلون؟
--------------------
بقلم: سعيد صابر