06 - 05 - 2025

الطائفية والمواطنة (٣)

الطائفية والمواطنة (٣)

كان يطلق على وزارة التعليم سابقا وزارة المعارف العمومية، ثم تحول المسمى إلى وزارة التربية والتعليم . وهنا نلاحظ أن التربية قد سبقت التعليم. ولذا يمكن أن نقول إن التربية خاصة فى مراحل التعليم الاولى كانت هى الأداة الحقيقية فى تكوين الشخصية المصرية الجامعة التى كانت تسقط كل الانتماءات الجزئية (دينية وطبقية وجهوية وقبلية ...الخ). وكان هذا يتم على أرض الواقع عن طريق التلاحم الإنسانى بين التلميذ وبين المدرس وبين التلميذ والتلميذ. وهذا كان يخلق تلك العلاقة الإنسانية التى تظل على مدى الأعمار، الشيء الذى يساهم فعليا فى خلق حالة من حالات التوحد الوطنى التى لا تفرق بين مسلم ومسيحى أو بين غنى وفقير. فما بالك الآن بتلك التفرقة الحادة والخطيرة التى تضع الحواجز كل الحواجز على المستوى الطبقى (مدارس أغنياء ومدارس فقراء) (مدارس مصرية عامة ومدارس أجنبية بكل اللغات) على المستوى الدينى الطائفي (مدارس إسلامية ومدارس مسيحية).

دعونا نبحر فى مياه ومحيطات المدارس الحكومية المصرية العامة التى مازالت وستظل بر الأمان فى خضم تلك المحيطات، نحن نعلم أن الواقع السياسى منذ بداية سبعينات القرن الماضى قد تحول تحولا جذريا نقيضا لكل ما كان مطروحا ومعاشا قبل تلك المرحلة. وتمثل ذلك فى الإفراج عن رموز تيار الإسلام السياسى وإعطائهم الفرصة لمواجهة التيار اليسارى بكل مسمياته انتصارا للنظام السياسى حينها. هنا كانت الجائزة الكبرى لهذا التيار هى السيطرة الكاملة على التعليم، حيث أن التعليم هو البوابة الذهبية والطريق الأمثل للتحكم فى تكوين الشخصية والسيطرة على التلاميذ عن طريق دغدغة المشاعر العاطفية ليس باسم الدين، ولكن عن طريق ذلك التدين الشكلى الذى يتعامل مع العاطفة ولا علاقة له بالعقلانية أو الموضوعية أو إعمال العقل، خاصة أن هؤلاء التلاميذ هم رجال المستقبل الذين يتم صناعتهم على المقاس المطلوب!! ولصالح تلك التيارات ولا علاقة له بالوطن والوطنية والتلاحم الوطنى الواحد والجامع. هنا شاهدنا ومازلنا نشاهد تلك الممارسات الطائفية التى تتخطى الدستور والقانون والتعليمات استغلالا لذلك المناخ الطائفى الذى يحافظ على الشكل الدينى الذى لاعلاقة له بصحيح الإيمان أو بالمقاصد العليا للأديان!

فماذا يحدث؟ وما هى تلك الممارسات الطائفية التى أحدثت وتحدث ذلك الاغتراب المجتمعى الذى يؤدى حتما إلى الاغتراب الوطنى، الذى لم ولن يكون فى صالح الوطن ولا المواطنين، ولكن سيكون وسيصب فى صالح تلك التيارات التى تريد السيطرة على الوطن ولا تريد السلامة له. 

حفظ الله مصر وشعبها العظيم.
-------------------------
بقلم: جمال أسعد



مقالات اخرى للكاتب

الفكر الديني والمؤسسات الدينية