06 - 05 - 2025

داحس والغبراء في الشام !

داحس والغبراء في الشام !

في لقطة عابرة شاهدت العلم السوري ذا النجمتين علي أحد المباني المدمرة ، غلبني الأسي ، فذلك هو علم الوحدة بين مصر وسوريا الذي كنا نهتف به في طفولتنا ، وتلك هي بقايا شوارع مشيت فيها ، وغمرني الكرم الشامي الأصيل ، وهؤلاء هم من حاربت مع آبائهم في أكتوبر 1973 ..

وطفرت دمعة وارتجف القلب .

من المؤلم مشاهدة المعدات العسكرية ( ومنها طائرات ) ، والذخائر وغيرها ، تلك التي فر جنود الجيش السوري وتركوها خلفهم في إدلب وحلب .

تلك المعدات المكدسة التي تم الإستيلاء عليها ،  تمثل جهد وعرق وأموال شعب سوريا النبيل ، ضاعت أو صارت سكينا علي رقاب الناس.

ماذا تبقي من أرض الوطن بعد أن احتلت جيوش أجنبية مساحات واسعة من أرضه ، وسيطرت علي فضائه وموانيه ؟ ( روسيا ، أمريكا ، إيران ).

لماذا لا يفكر أحد في دعوة بشار وتلك الفصائل لتطبيق قرار مجلس الأمن 2245 الذي صدر بالإجماع ؟.

أي عرش يدافعون عنه ، وقد اقتربت منه النيران زاحفة ، وأي سلطة يتحدثون بها ، وقد تآكل الوطن الذي يحكمونه وضاع ؟.

المضحك المبكي ، أن العرب العاربة والمستعربة تركوا الحقائق السابقة ، كي يتعاركوا حول من يستحق الدعم بين الطرفين المتحاربين ؟ ، فذهب بعضهم بأهمية الدفاع عن بشار لأنه يمثل الدولة الوطنية ، وهو قومي عروبي من معسكر الممانعة ، وهو ابن الزعيم حافظ الذي حكم سوريا لمدة ثلاثين عاما ، واحتفظ ابنه بعصا القيادة لمدة تناهز ربع قرن ، أي نصف قرن ونيف لحكم عائلة الأسد ، وهذا هو حال سوريا بعد كل هذا الزمن !.

ومن ناحية أخري ، ذهب البعض الآخر إلي أن بشار سفاح قاتل ، قتل نصف مليون من شعبه ، وتسبب في هجرة ونزوح ما يزيد علي 4 مليون سوري في مشارق الأرض ومغاربها ، واعتقل عشرات الآلاف من المعارضين ، بينما لم يطلق طلقة واحدة علي العدو الصهيوني ، وواصل إمطار شعبه ببراميل المتفجرات .

لماذا يغضب القوميون العرب إذا كان ذلك هو حال صنمهم في دمشق ، وإذا كانت تلك هي فكرة المتعاطفين معه عن القومية العربية ، فهل يمكن أن تكون هناك دعاية أسوأ عن تلك القومية التي تحلل الإستبداد للحاكم والإستعباد للشعب ؟.

السجال بين الجانبين لا يتوقف ، بينما الضحايا في المدن العربية يتناثرون كالزجاج المحطم في كل مكان .. توارت مذابح غزة ، وإجرام نتنياهو ، كي يفرغ العرب العاربة والمستعربة احقادهم وسمومهم فيما بينهم ، كي يستعيدوا روح داحس والغبراء ، ويتمتعوا بالعصبية الجاهلية .

أين الجامعة العربية ؟ اين حكماء العرب ؟ أين اختفت السياسة ؟ أين جموع الشعوب كي يصرخوا  هاتفين لإيقاف النزيف ؟.

تذكرت بألم مواجهة مع ممثل الكيان الصهيوني بعد ندوة تحدثت فيها عن جرائم الصهاينة ومذابحهم في الأراضي العربية ، لقد وقف ذلك الكائن الصهيوني كي يقرأ من كتيب صغير يعدد فيه أعداد من قتلوا في الحروب والإنتفاضات العربية البينية ، بالمقارنة بأعداد من قتلهم الكيان الصهيوني موضحا الفارق الشاهق الذي تتواضع فيه جرائم الصهاينة مقابل مذابحنا الذاتية !.

من المؤكد أن هناك عواصم عربية شامتة في بشار ، ولا شك أن هناك عواصم أخري تتمني أن تضع أقنعة تخفي عيون شعوبها ، وسدادات تغلق أسماعهم حتي لا تصيبهم العدوي، ولا مندوحة من وجود عواصم أخري لا تري ولا تسمع ولا تتكلم .. لا تفرح ولا تتألم ..لا تعرف ساخن أو بارد لأنها تحترف الفتور.
---------------------------
بقلم : معصوم مرزوق
* مساعد وزير الخارجية السابق

مقالات اخرى للكاتب