05 - 12 - 2024

مؤشرات | إلى أين تتجه العلاقات مع إيران؟.. قراءة في المتغيرات

مؤشرات | إلى أين تتجه العلاقات مع إيران؟.. قراءة في المتغيرات

مازالت حالة الشد والجذب في العلاقات المصرية الإيرانية قائمة، وأحيانا تكون معلنة، وغير مباشرة، ويبدو أن الحذر هو سيد الموقف، بسبب التدخلات الإيرانية في الشؤون العربية، ودورها في الأزمات ذات الصلة بالحرب الصهيونية على غزة، والأوضاع في لبنان، ومناطق أخرى مثل اليمن والعراق وسوريا.

ومع اقتراب تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقاليد الحكم، تبدو المؤشرات في اتجاه نهج جديد من العلاقات، وسط حالة من التقارب من كل الأطراف، مع سعي من جانب رئيس الوزراء الصهيوني "بنيامين نتنياهو" إلى الدفع بالعلاقات بين أمريكا والكيان الصهيوني بما يخدم مصالحه أولا، ومصالح كيانه ثانيا.

لن نخوض في العلاقات المصرية الإيرانية منذ حالة التقارب أيام حكم الشاه، وما تلاها من توتر بعد الثورة الإسلامية الإيرانية، وحالة الجمود طيلة أيام الرئيس الراحل مبارك، والتقارب مع حكم جماعة الإخوان، إلا أنه ومع ثورة 30 يونيو دخلت مرحلة التوتر خطوات أكثر تعقيدا، خصوصا بعد فقدان "طهران" نفوذها في مصر، والذي تم وصفه حينها وبعد إبعاد الإخوان عن الحكم بانه "نفوذ أكثر مما ينبغي"، وهو ما تعتبره مصر يضر بالأمن القومي المصري والعربي.

وهناك إجماع من مختلف الخبراء على حق مصر أن تراعي مختلف الحسابات ومصالحها في تحديد أي نوع من التقدم للأمام في العلاقات بين القاهرة وطهران، بل أن حسابات مصر مختلفة كليا عن تلك الحسابات التي كانت وراء التحسن والتقارب في العلاقات بين السعودية وطهران، خصوصا أن النفوذ الإيراني في المناطق الساخنة على حدودها في السودان وليبيا وفي غزة واليمن، أمر يقلقنا كمصريين، بخلاف حالة العلاقات المرتبكة بين طهران وواشنطن، مع الأخذ في الاعتبار أن جانبا كبيرا من العلاقات بين الخليجية الإيرانية وتحسينها يندرج تحت بند العلاقات التجارية والاقتصادية، انطلاقا من علاقات تاريخية، ومع حجم الجاليات الإيرانية في هذه الدولة، وهذا عنصر لا يدخل ضمن حسابات العلاقان مع مصر وإيران القائمة بالأساس على بند العلاقات السياسية.

ورغم كل ذلك يمكن القول أن التطورات الأخيرة في العلاقات بين القاهرة وإيران على أرضية يمكن أن تدفع بها إلى مسارات جديدة وأكثر تقدما، على الرغم من انخفاض مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين، والذي يمكن القول أنه تمثيل شكلي، لا يؤثر على طبيعة ومسار العلاقات اليومية بين البلدين.

وفي ظل التطورات المتلاحقة في ملفات الحرب الصهيونية على غزة وما جري في لبنان، والاعتداءات المتكررة على العراق وسوريا، وعلى اليمن، ووجود نفوذ إيراني في مثل تلك الملفات، فإن أي تهدئة، سيكون لإيران دور فيه بشكل مباشر أو غير مباشر، رغم التحفظات العربية والمصرية منها على التدخلات الإيرانية، ومن هنا يصبح وجود نوافذ في العلاقات مع إيران أمر ضروري، بهدف تحجيم هذا الدور عبر علاقات متنوعة، بما يسمح بارتياح عربي ومصري بالأساس.

ومن هنا يمكن القول إن هذا جناح رئيسي يحدد مستقبل العلاقات بين مصر وإيران، وفق الحسابات التي تراها القاهرة في الوقت المناسب، ويتوقف على القرار السياسي.

وفي المقابل هنا طرح يفرض نفسه على مستقبل العلاقات مع إيران، بالتوازي مع التطورات المرتقبة في العلاقات بين طهران وواشنطن، خصوصا مع تسريبات عن أن إيران أبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعزمها على تركيب المزيد من أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم في منشأتي "نطنز وفوردو" وتشغيل أجهزة تم تركيبها مؤخرًا، ودون الدخول في التفاصيل، الخاصة بدرجة نقاء اليورانيوم المُخصب، فإن هذا الملف يحدد مستقبل العلاقان بين إيران وأمريكا، مع الأخذ في الاعتبار دور "الكيان الصهيوني" في هذا الأمر.

ولكن تأكيد إيران أن مستوى نقاء تخصيب اليورانيوم في مفاعلاتها النووية عند حدود 5% فقط، وهو أبعد كثيرا من نسبة النقاء التي تصلح لتصنيع قنبلة نووية، والذي يحتاج لنقاء 60%، فإن هذا الأمر ربما يفتح مجالات لحوار وتصالحات وعلاقات ليس بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية فقط، بل مع أوروبا، مع ملاحظة أن ما تم ترسيبه من معلومات استخباراتية يتزامن مع اقتراب عودة ترامب للبيت الأبيض.

وعلينا أن نأخذ في الاعتبار ما جرى من اجتماعات في 29 نوفمبر في جنيف السويسرية بين دبلوماسيين أوروبيين وإيرانيين ومناقشة ما إذا كان من الممكن الانخراط في محادثات جادة في الأسابيع المقبلة لنزع فتيل التوتر في المنطقة بما في ذلك المتعلق بالبرنامج النووي الإيراني المثير للجدل قبل عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 20 يناير 2025.

وصحيح أن العلاقات فيها توتر إيراني مع أمريكا وحلفائها في أوروبا، وهو ما تشير إليه مجموعة وقائع على الأرض، مثل دفع دول أوروبية في 21 نوفمبر 2024، واستصدار قرار ضد إيران بتكليف الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإعداد تقرير تفصيلي عن الأنشطة النووية الإيرانية بحلول ربيع عام 2025 رغم تعهدات إيران بالحد من تخصيب اليورانيوم.

ومن تلك الوقائع اختيار ترامب أحد الدبلوماسيين المتشددين ضد إيران ليتولى ملف وزارة الخارجية، وهو "ماركو روبيو"، والذي يتبنى نهج سياسة الضغط لتركيع إيران اقتصاديا.

إلا أن كل ذلك لا يلغي السعي الأمريكي الأوروبي الرامي لحل أزمات المنطقة بصفقات كبرى، بما فيها الملف الإيراني، باتباع سياسة "الشد والجذب" بالضغط والحوار، مع حرص إيراني فعلي على السعي لرفع العقوبات عليها، وما يطرحه في لقاءات مع مسؤولين أوروبيين، وأخرها لقاءات نائب وزير الخارجية الإيراني "مجيد تخت روانجي" يوم 29 نوفمبر في جنيف، مع دبلوماسيين كبار من الترويكا الأوروبية التي تضم بريطانيا وألمانيا وفرنسا، والمسؤول الإيراني معروف بأنه المفاوض النووي الأبرز.

ومن هنا لابد من قراءة سياسية لما قاله "إنريكي مورا"، منصب نائب الأمين العام للشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، على موقع "إكس"، يوم 28 نوفمبر 2024، ونقلته وكالات الأنباء  "جرت محادثات صريحة مع مسؤولين إيرانيين بشأن البرنامج النووي لبلادهم، مع تبادل صريح للآراء جرى مع كلّ من مجيد تخت روانجي، نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية، وكاظم غريب آبادي، نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون القانونية والدولية، بما في ذلك المحادثات حول الدعم العسكري الإيراني لروسيا الذي يجب أن يتوقف، والقضية النووية التي تحتاج إلى حلّ دبلوماسي، والتوترات الإقليمية المهمة لتجنّب مزيد من التصعيد من كلّ الأطراف وحقوق الإنسان.

وفي ضوء هذه المتغيرات والتشابكات الأميركية والأوروبية في العلاقات في الملف الإيراني، ستبقى لمصر رؤيتها الخاصة في تحديد مسار العلاقات مع طهران التي لم تنقطع مهما انخفض مستوى التمثيل الدبلوماسي، وفي نفس الوقت قراءة كل هذا لن يغيب عن القرار الدبلوماسي والسياسي المصري بما يخدم مصالح الوطن.
---------------------------------
بقلم: محمود الحضري


مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | هل سوريا الأحدث في تفريغ المنطقة لأمن الصهاينة؟!