يقول الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي: كل هذا الزحام ولا أحد.
تذكرت هذه المقولة وأنا أتجول وحيداً في شوارع القاهرة أطالع وجوه الناس فلا أقرأ إلا المجهول، خطي متسارعة ومرتبكة، عيون تٌحدق في لا شيء غابت عنها الإبتسامة وإشارات اليد الملوحة بالسلام، حتى بائعي الورود تقلصت أعدادهم بشكل ملحوظ، أين الرفاق وشلة المقهى؟ أين منتديات القاهرة الأدبية والفكرية كنا نلتقى أسبوعياً في وسط البلد كُتابا وصحفيين في رويال بالاس، أمين أسكندر وعادل الجوجري رحمهما الله، ولفيف من الأصدقاء وكثير لا أتذكر أسماءهم، وكان الحديث عن الوطن وأوجاعه وكان الشعر حاضراً، وتمتد الجلسة لساعات طوال .. كانت القاهرة تضج بالأمسيات واللقاءات الفكرية التى لا تنقطع، كانت نقابة الصحفيين وندوة الأربعاء التى كان يديرها الصديق الوردانى ناصف رحمه الله، وكانت ندوة الأسوانى على مقهى سوق الحميدية، وكثيرا ما كان يجمعنا مركز الأهرام للدراسات بمناقشاته الراقية .. كنت ترى قامات وعقولاً تشع فكراً وحباً للوطن، أين كل هذا الزخم والحراك الوطنى والثقافى، ولماذا آل الأمر الى ما نحن فيه الآن.
أذكر ذات مرة أنى دعيت لمنتدى وادى النيل بميدان الكوربة بمصر الجديدة، وكان يستضيفنا المخرج اليسارى الراحل حسام البدراوى رحمه الله فى منزله، كنت أرانى جالساً بين كتاب ومفكرين من بلدان عربية عدة، كان عبدالكريم العلوجى من العراق والدكتور صلاح سبح وأخيه من السودان وكانا باحثين سياسيين، وأسماء عديدة من اليمن وليبيا وغيرها .. أين كل هذا مما نحن فيه الآن، يكاد الصمت يقتلنا، فما قيمة ما نكتب إن لم يطرح للنقاش والحوار وإلا سنكون بمثابة من يكتب نعيه حياً .. الإنسان يعلن عن وجوده بالفكر والإبداع والحوار، ونحن أصبحنا لا نملك إلا الصياح والضجيج، لنعلن أننا أحياء.
يا إلهى ما كل هذه الوحدة والحزن هل يعود ما تبقى من الرفاق لنغنى معاً أغنية الوداع الأخيرة ربما !!!
يقول احمد عبدالمعطى حجازى :
مريرة إلى اللقاء ... مريرة تصبحون على خير
وكل كلمات الوداع مريرة
-----------------
بقلم: سعيد صابر