25 - 01 - 2025

!Establishment

 !Establishment

خريف 1999

* تمكنت مخابرات عدة دول أن تتعاون فيما بينها كي يتم إقتناص الزعيم الكردي "عبد الله أوجلان" في العاصمة نيروبي. ليس مهماً أن نعرف من وكيف ولماذا ؟ ، ولكن من المهم أن تصل الرسالة : هذا ليس زمان البطولات الفردية ،والزعامات الكاريزمية ..

أنت أيها الفرد الضعيف مهيض الجناح لا حول لك ولا قوة في مواجهة الـ  Establishment..

* ولأن الشرق السعيد هو موطن العواطف الجارفة والنوستالجيا ، فقد ارتجفت القلوب وتبللت الأجفان بينما العيون ترقب مشاهد تليفزيونية لأوجلان في قيده معصوب العينين ، فلقد استدعي اللاوعي فوراً صورة عمر المختار في أغلاله ، ولحظات الموت الأخيرة لتشي جيفارا ، والمعتقلين الفلسطينيين في سجون إسرائيل ... بل وكتب بعضهم شعراً يرثي عبد الله أوجلان !!! .

* وبدأت الــ Establishment  في إدارة آلة الإعلام الجهنمية ، فالزعيم الكردي ليس ثائراً ولا سياسياً ولا دياولو .. الرجل لا يزيد عن كونه رئيس عصابة لتهريب المخدرات ، وأن حزب العمال الكردستاني ليس إلا منظمة ثرية تدير شبكة واسعة في العالم لتجارة المخدرات التي تؤتي أرباحاً طائلة تتجاوز إيرادات البترول في الدول النفطية ، فثمن كيلوجرام من المخدرات يبلغ عشرة أضعاف ثمنه من البترول .

* وهكذا – تدريجياً – تضاف الألوان والرتوش إلي صورة " الزعيم " كي تتحول إلي صورة المعلم " كرشه " ، ويتم تسطيح قضية الشعب الكردي من قضية سياسية إلي قضية جنائية تتداخل فيها المخدرات مع عمليات الإغتيال والإرهاب والإبتزاز ، وتتحول تركيا من قاتل إلي ضحية .. ومن يدري فربما توصلت الــEstablishment  إلي حقائق جديدة تثبت أن رجلاً كردياً آخر" صلاح الدين الأيوبي " كان تاجراً للرقيق !!.

* ومن عجب أن " أوجلان " ومن قبله " ماركوس " تم إقتناصهما في عواصم إفريقية ، ربما لأن الـ Establishment  لا ترضي باختراق حجاب حياء حقوق الإنسان في عواصم أوروبا ، فليس خافياً أن تلك العواصم الأخيرة يسرح فيها ويمرح قتلة حقيقيون ( بعضهم بدرجة رئيس وزراء ) وإرهابيون لا يخجلون من التصريح والتلميح بعملياتهم المجيدة في قتل النساء والأطفال .. إلا أن الـEstablishment  لها قانونها غير المكتوب الذي لا يسمح لها بممارسة "الإنسانية " إلا في عواصم مستباحة لكل من هب ودب .. وربما يتم الآن توجيه ودفع "أي مطلوب" كي يدخل إحدي هذه العواصم السداح مداح كي يتم إقتناصه .

* في عرف الــEstablishment  فأنه يباح ضرب دولة عربية أطراف الليل وآناء النهار ، لأنها تجرأت ولم تنفذ كلمة في جملة من فقرة في قرار لمجلس الأمن ، بينما لا يجوز مجرد عتاب دولة أخري دأبت منذ نشأتها علي عدم تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ، بل وتخرق يومياً حفنة من الإتفاقيات وقواعد القانون والعرف الدولي .. فإذا صرخ أحد بإزدواجية المعايير ، هجمت عليه الـEstablishment  بآلاتها الجهنمية من إعلام وإقتصاد وسياسة .. ومصيبة المصائب أن "الفضائيات" التي أنعم الله بها علينا ، صارت إحدي أدوات الــEstablishment ،فهي تنقل في براءة وسذاجة كل ما تجده في الفضاء .. ولكن هل هي براءة فعلاً ؟.

* في زمن يمجد الحرية المطلقة للفرد ، ويهلل للإنتصار التاريخي للفردية ، ضاع هذا الفرد وتلاشي ، أصبح مجرد رقم في حاسوب ضخم ، يتم غسيل مخه بآلات متقنة ، كي يتحول تدريجياً إلي مجرد مسخ ، ثم يستنسخ منه مسخاً أو مسوخ ، تدخل كلها وقوداً تستخدمه الـ Establishment .

* لذلك كله ، فالمسألة ليست من هو "عبد الله أوجلان " ، ولا كيف تم إقتناصه ؟ ، أو لماذا تتعاون الدولة ( س ) مع الدولة ( ص ) في ذلك ؟ ، فهذا في نظام للتحليل عفا عليه الزمن ، ويحكمة منطق بائد .. الأمر الوحيد الذي يعتد به هو مدي وضوح الرسالة وقوة الإرسال ، ولولا أن المسألة ستبدو مفضوحة ، فأنه ليس من المدهش أن تقوم الـ Establishment  بتوزيع " دش " وجهاز إستقبال لكل مواطن ..  فليس مطلوباً من إنسان القرن الواحد والعشرين سوي ذلك ، أن يصبح جهاز إستقبال يتلقي الإشارات المنضبطة التي ترسلها الـ Establishment  .

* في النهاية ، لعل من قرأ السطور السابقة يتساءل الآن : ما هي تلك الـ Establishment؟ ، ولعله في براءته المعهودة يتوقع مني أن أجيب أيضاً علي هذا السؤال ، ولكنني لن أفعل لسببين : أولهما : أنني أفضل أن أشرك القارئ معي في التفكير ، وثانيهما : لأن الإجابة العلمية المنضبطة تتوفر فقط لدي الـــESTABLISHMENT.
-------------------------
بقلم: السفير/ معصوم مرزوق
* مساعد وزير الخارجية السابق

مقالات اخرى للكاتب

إلي الأمام يا ترامب !!!