لا تتحدد سلبيات الطائفية ولا تنحصر إيجابيات المواطنة فى إطار الجانب الدينى فقط. أى أن القضية أكبر وأشمل من ذلك . فالفكر والسلوك الطائفى هو ذلك الفكر الانغلاقى والسلوك المتعالي من فئة أو جماعة أو طائفة على باقى الجماعات والطوائف المكونة للمجتمع . سواء كان هذا الانغلاق أو ذلك السلوك على أرضية دينية أو سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية. وذلك نتيجة احساس واقتناع تلك الجماعة الطائفية بالتمايز والتعالى على الاخر أى اخر أيا كانت مسمياته. هنا تكون النتيجة الطبيعية هى أن كل آخر يرفض الآخر فتغيم الأجواء ويغيب التواصل وتنسد أبواب الحوار الموضوعى، فلا حوار بين متحاورين منحازين بداية لما يعتقدون، متخيلين أنهم وحدهم من يمتلك الحقيقة المطلقة بما يعتقدون.
هنا تتراكم النتائج السلبية والتفتت المجتمعى وتنسحب على سلامة المجتمع الذى يضم الجميع . كما أنه لا ولن يكون هناك أى نوع من الانتماء الحقيقى للوطن، حيث أن الانتماء هنا ينحصر ويتقوقع داخل إطار الانتماءات الدينية والقبليبة والجهوية الصغيرة. فيصبح كل فصيل منحاز انحيازا كاملا لمصلحة فصيله على حساب باقى الفصائل.
هنا تحل الانتماءات الجزئية مكان الهوية الجامعة والانتماء الوطني، فلا انتماء حقيقى بدون الحصول على كل الحقوق الإنسانية والدستورية والقانونية التى هى حق لكل مواطن أيا كان انتماؤه . وهنا الخطر كل الخطر على سلامة الوطن الذى هو وطن كل المصريين.
ولذا يصبح من المحتم أن تقوم المؤسسات المصرية بدورها الوطنى الحقيقى فى القضاء على ذلك المناخ الطائفى والموروث تاريخيا من أنظمة طائفية قبل أن تظهر على الساحة السياسية العالمية مفاهيم حقوق الإنسان وقيم المواطنة الحقيقية لكل المواطنين. لو تطرقنا إلى المؤسسات التعليمية فماذا نجد ؟ بداية لاشك أن التعليم هو حجر الزاوية والمدخل الذهبى لأى ترقى أو تقدم للإنسان والدول . ففى ثمانينيات القرن الماضى ظهرت مقولة فى أمريكا بأن امريكا فى خطر وذلك نتيجة لتقدم بعض الدول فى التعليم عنها . كما أن دول النمور الآسيوية ( النامية ) لم تتقدم للصفوف الأولى بغير تقدم وتطور التعليم والاهتمام به .
أما على الجانب المصرى فمن المعروف أن البداية الحقيقية لبناء الدولة الحديثة بعد الحملة الفرنسية وتولى محمد على الحكم . كانت بالاهتمام بالتعليم وصولا لإنشاء الجامعة المصرية ١٩٠٨. كما أنه وهذا هو الأهم كان التعليم حتى منتصف سبعينات القرن الماضى هو البوتقة التى تنصهر فيها الشخصية المصرية وتنتج الشخصية المنتمية للمجتمع وللوطن المصرى دون تفرقة ولا طائفية من أى نوع، مع العلم لم تكن هناك إمكانات مادية ولكن كان هناك أيمان حقيقى بالتعليم ودوره ورسالته.
أما الآن فالتعليم المصرى أصبح فى خبر كان، حيث أن التعليم المصرى بمناهجه المصرية الوطنية ( تاريخ . تربية وطنية . جغرافيا . قيم هوياتيه وثقافية مصرية ) كانت مناهجه هى المؤسس لتوحيد الشخصية المصرية والحفاظ على الهوية والثقافة المصرية . الان نجد تلك التعددية الممقوته والتى تمثل خطورة حقيقية على التعليم بل على مجمل تكوين الشخصية المصرية وعلى الانتماء الحقيقى للوطن . فأصبحت مناهج إنجليزية فرنسية ألمانية يابانية ..الخ كنوع من التفاخر والتباهى والفشخرة الاجتماعية لطبقات تفتقد إلى الانتماء الوطنى وتسعى لأى انتماء آخر، ناهيك عن تلك التعددية المدرسية ذات الطابع الدينى . مدارس إسلامية مقابل مدارس مسيحية . حضانة الزهراء مقابل حضانة العذراء. أما مايحدث فى المدارس العامة فهذا شئ اخر .
حمى الله مصر وشعبها العظيم .
------------------------------
بقلم: جمال أسعد