في صباح اليوم الثالث من رحلتنا التركية ، وفي إطار جولة سياحية نظمتها وزارة السياحة التركية ووكالة TGA لترويج وتنمية السياحة، بالتعاون مع وزارة الخارجية التركية، لوفد صحفي مصري، انطلقت رحلتنا إلى مطار إسطنبول للتوجه إلي العاصمة التركية أنقرة، حيث كانت أجواء السفر تنبض بالحماس والترقب.
بدأنا يومنا بالتوجه إلى مطار إسطنبول برفقة ممثلة عن وزارة السياحة " باشاك كاراتيبي" ، و المرشد السياحي "مجيد بوغداي" ، الذي كان دليلاً رائعًا خلال هذه التجربة.
بأسلوبه المميز ومعرفته الواسعة، أضفى مجيد على يومنا طابعًا خاصًا، حيث حرص على تعريفنا بكل تفصيلة مهمة عن وجهتنا المقبلة، أنقرة، عاصمة تركيا الأنيقة والغنية بالتاريخ والثقافة.
تقع العاصمة التركية أنقرة في وسط الأناضول، على الحافة الشرقية من الهضبة الأناضولية العالية، بارتفاع 850 مترًا عن سطح البحر.
تتميز المدينة بمساحاتها الشاسعة المليئة بحقول القمح الذهبية والسهول الممتدة بلا حدود، والتي، بالرغم من تضاريسها القاسية، تحمل في طياتها تاريخًا حافلًا يمتد لآلاف السنين، مفعمًا بلحظات ملهمة.
يقول المرشد السياحي "مجيد بوغداي" إن أنقرة كانت مركزًا تجاريًا هامًا ومحطة رئيسية على طريق الحرير الذي يربط بين الشرق والغرب، وبفضل موقعها الاستراتيجي، اختارها مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك مقرًا لحرب الاستقلال، وأُعلنت عاصمة للجمهورية في 13 أكتوبر 1923، بعد إعلان الجمهورية، شهدت أنقرة تطورًا سريعًا، وأصبحت ثاني أكبر مدينة في تركيا.
وأفاد "بوغداي" بأن أنقرة، التي تقع عند تقاطع طرق التجارة التاريخية التي تعود إلى الألفية الثانية قبل الميلاد في عصر المستعمرات التجارية الآشورية، كانت أيضًا نقطة عبور على "الطريق الملكي"، وهو طريق ثقافي وتجاري قديم يمتد من مدينة سرديس عاصمة ليديا إلى مدينة سوسة في بلاد ما بين النهرين في القرن الخامس قبل الميلاد.
وأضاف بوغداي، أنه عاش في أنقرة حضارات متعاقبة مثل الفريجية، والغلاطية، والرومانية، والبيزنطية.
وأوضح أن أنقرة تميزت خلال العهد العثماني بصناعة صوف الموهير المستخرج من ماعز أنغورا، واشتهرت أيضًا بأرانبها وقططها وماعزها.
ومع مرور الزمن، أصبحت المدينة وجهة سياحية مزدهرة تجمع بين ثقافتها الغنية وتاريخها العريق مع مظاهر التحديث والتطور.
و توفر أنقرة تجربة فريدة تجمع بين التراث الثقافي والمعماري المحفوظ بعناية، إلى جانب متاحفها المتعددة، ومشهدها الثقافي والفني النابض، وحياتها الليلية المفعمة بالحيوية.
الوصول إلى أنقرة واستكشاف المذاق التركي الأصيل
بعد رحلة قصيرة بالطائرة، وصلنا إلى أنقرة، حيث كان في انتظارنا جدول مزدحم مليء بالمغامرات، كانت البداية مع الغداء في أحد أشهر مطاعم المدينة، حيث تذوقنا الكباب التركي التقليدي.
بأسلوبه الشيق، شاركنا مجيد قصصًا عن أصالة هذا الطبق وتاريخه، مما جعل التجربة أكثر متعة وغنى.
متحف حضارات الأناضول.. رحلة عبر الزمن
من محطة الغداء، توجهنا إلى متحف حضارات الأناضول فى جنوب قلعة أنقرة، وتحديدًا فى منطقة أولوس، حيث حرص "مجيد" على تقديم شرح مفصل لكل قطعة أثرية، مما جعل زيارتنا للمتحف أكثر عمقًا وثراءً.
سرد لنا كيف أن هذه الحضارات المتعاقبة شكّلت هوية تركيا، وربط بين المعروضات وقصص تاريخية ملهمة.
حاز متحف حضارات الأناضول على جائزة "متحف العام" في أوروبا عام 1997، ويقع المتحف جنوب شرق أسوار قلعة أنقرة. يتكون المتحف من مبنيين كانا يخدمان أغراضًا مختلفة في الماضي: بازار محمت باشا (السوق المغطى) و"كورشونلو خان" (النزل).
يُعتقد أن البازار قد تم بناؤه بتكليف من الوزير العثماني محمت باشا في القرن الخامس عشر، وتم تحويله إلى متحف بناءً على أمر مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس جمهورية تركيا الحديثة، بهدف جمع وعرض جميع أنواع الآثار الأناضولية.
لا يقتصر دور المتحف على تمكين الزوار من التعرف على حضارات الأناضول القديمة فحسب، بل يرحب أيضًا بالباحثين في مبناه الثاني: كورشونلو خان. يضم هذا المبنى غرف دراسة، مختبرات، ورش عمل، مكتبة، وقاعة مؤتمرات وبالتالي، يربط المبنيان بين طرفي التاريخ: الماضي والمستقبل.
يعرض متحف حضارات الأناضول مجموعة واسعة من القطع الأثرية المدهشة من المواقع الأثرية المهمة في الأناضول.
ويتميز المتحف بتشكيلة فريدة من المعروضات مرتبة حسب التسلسل الزمني، بدءًا من العصر الحجري القديم مرورًا بالعصر الحجري الحديث، والعصر البرونزي المبكر، ومستعمرات التجارة الآشورية، والحضارات الحثية، والفريجية، والأورارتية، والهلنستية، والرومانية، والرومانية الشرقية، والسلاجقة والعثمانية.
في قسم العصر الحجري القديم، يجد الزوار قطعًا أثرية مصنوعة من المواد التي كانت تستخدم في الأسلحة في العصور ما قبل التاريخ، مثل الكوارتز، والشست، والرايولاريت.
تليه قطعة العصر الحجري الحديث، حيث يتم عرض تماثيل بشرية وحيوانية، وأثاث زخرفي، وأدوات مصنوعة من العظام، والشست، وأوبسيديان.
من أبرز ما يميز هذا القسم هو اللوحة الجدارية التي تصوّر ثوران البركان لجبل حسن، الذي شوهد قبل آلاف السنين من موقع "تشاتالهويوك"، وهو تلة أثرية متعددة الطبقات تُعد من أوائل المستوطنات الأناضولية.
يحتوي قسم العصر النحاسي على قطع بارزة مثل التماثيل والمجوهرات والأشياء الجنائزية، فضلاً عن بعض من أقدم أمثلة الفخار الأناضولي.
بقية الأقسام في المتحف تنظم حول مفهوم الحضارة بدلاً من الزمن. يمكن للزوار مشاهدة ألعاب مصغرة على شكل حيوانات، تماثيل أسود مصنوعة من العاج، والعديد من القطع الأخرى التي تروي تاريخ الأناضول الفريد والمعقد.
من بين القطع المميزة التي تستحق الزيارة هي لوح الكتابة الذي يعود إلى 3000 عام من عهد الملك ميداس - المعروف بأذنه الحمار، الرسالة التي كتبتها الملكة المصرية إلى الملك الحثي في عام 1235 قبل الميلاد، أول خريطة للعالم، وأقدم مرآة معروفة في العالم مصنوعة من الأوبسيديان (الزجاج البركاني) والتي تم العثور عليها في عام 6000 قبل الميلاد.
قلعة أنقرة.. عبق الماضي من بين الأسوار
ذهبنا قلعة أنقرة، أحد المعالم البارزة في المدينة تعرفنا على تاريخ القلعة وأهميتها عبر العصور، ومشاهدة المناظر الخلابة التي تطل عليها القلعة.
و قلعة أنقرة (المعروفة بـ "أنقرة كاليزي" باللغة التركية)، التي تم بناؤها في الأصل كحصن، كانت موطنًا للعديد من الحضارات عبر التاريخ، وتعد من أكثر الوجهات السياحية شعبية في أنقرة لأنها تضم العديد من المتاحف، بما في ذلك متحف حضارات الأناضول، والمنازل القديمة في أنقرة، والمساجد، ومعالم تاريخية أخرى.
تم تحويل معظم المنازل القديمة في داخل أسوار القلعة إلى مطاعم ومتاجر للهدايا.
شارع تونالي هيلمي
يعد شارع تونالي هيلمي الشهير واحدًا من الشوارع الحيوية والمزدهرة في حي كافاكليديري بمنطقة جانكايا، ويجذب الشارع السكان المحليين والزوار على حد سواء بفضل مزيج من الفرص الترفيهية ووجهات الطعام.
بينما يضم الشارع مجموعة متنوعة من المطاعم والمقاهي والمأكولات، إلا أنه يعرف أيضًا بحياته الليلية النابضة بالحياة.
يقع الشارع بالقرب من العديد من المعالم السياحية المهمة في المدينة، مثل حديقة كوغولو الشهيرة بحوضها الممتلئ بالطيور السوابح.
كما يُعتبر شارع تونالي هيلمي واحدًا من أكثر الوجهات العصرية في أنقرة، حيث تزينه محلات العلامات التجارية المتميزة على كلا الجانبين.
لذلك، يُعتبر هذا الشارع نقطة جذب رئيسية للسكان الشباب، حيث يختار معظم الطلاب الجامعيين والشباب هذه المنطقة للاستمتاع بتنوع الخيارات من الطعام والتسوق.
راحة واستعداد ليوم جديد
مع انتهاء يوم مليء بالمغامرات، توجهنا إلى الفندق برفقة مجيد، الذي حرص على التأكد من راحتنا واستعدادنا لليوم التالي، كانت أجواء الفندق مريحة، مما منحنا فرصة للاسترخاء واستعادة النشاط.
كان اليوم الثالث استثنائيًا بكل تفاصيله، ليس فقط بسبب الأماكن الرائعة التي زرناها، ولكن أيضًا بفضل مجيد بوغداي، الذي كان بحق مرشدًا سياحيًا متميزًا بفضل خبرته وحماسه، أصبح لكل موقع نزوره قصة خاصة وتجربة لا تُنسى، مما زاد من حماسنا لمعرفة المزيد في رحلتنا التركية.