في مسرحية توفيق الحكيم "السلطان الحائر" أراد أن ينبِّه إلى غياب الديمقراطية بعد قيام ثورة يوليو 1952، اختار مسرحيته من التاريخ الشعبي الأقرب إلى جو العصر المملوكي، حتى يتمكن من أن يحملها الدلالات الفكرية الرمزية والإسقاطات السياسية التي يصعب أن تحملها أحداث واقعية في ظل إرهاب للفكر وكبت للحريات.
كلنا يذكر ما فعل المعز لدين الله الفاطمي عندما جاء يزعم أنه من نسل رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وأنه بهذا النسب له حق الحكم في أرض مصر؛ فلما لم يصدقه الناس قام فيهم شاهراً سيفه ، وفاتحاً صناديق ذهبه وهو يقول: هذا حسبي... وهذا نسبي !
فسكت الناس وحكم هو وذريته من بعده هادئين هانئين لأجيال طويلة .
الوزير: ماذا يا مولاي؟
السلطان: قررت أن أختار .. أن أختار (صائحاً في عزم ) القانون! اخترت القانون!
وتدور أحداث المسرحية حول سلطان من سلاطين المماليك علم أن الناس في مدينته يلغطون أنه لم يزل عبداً ، وأن سيده السابق لم يعتقه ، ولهذا لا يحق له أن يحكم ويكون سلطاناً على الناس قبل أن يُعتق ويصير حرا. ويتحيّر السلطان بين استعمال القوة لإسكات الناس (وهذا رأي الوزير)، والاحتكام إلى القانون (وهذا رأي القاضي).
والاحتكام إلى القانون يعني أن يُعرض السلطان في مزاد عام أمام الناس ليشتريه من يشتريه فيعتقه، وقد تردّد السلطان بين الرأيين، ولكنه قرر في النهاية أن يكون القانون هو الحكم.
وتم المزاد .. وكان السلطان من نصيب غانية سيئة السمعة بالمدينة، رفضت التوقيع على وثيقة العتق، وبعد أخذ ورد وافقت على شراء السلطان والتوقيع على صك عتقه.
استضافت الغانية السلطان في بيتها، ويدور بينهما حوار يكشف شخصيتيهما، فقد اكتشف السلطان أن الغانية بريئة من تهمة العهر، وما هي إلا امرأة تُحب الأدب والفن، كما اكتشفت الغانية طيبة السلطان ودماثة خلقه.
وأثناء الحوار بينهما.. يؤذن المؤذن لصلاة الفجر قبل حلول الوقت، ويُفاجأ السلطان والغانية بالأذان. ثم يعلمان أن تلك الخطة من تدبير القاضي، الذي تحايل على القانون، وزعم أن العتق يتم إذا إذّن المؤذن لصلاة الفجر سواء أكان الأذان في موعده أو في غيره.
ويرفض السلطان ذلك، ويفضِّل أن يبقى عند الغانية حتى الموعد الحقيقي لأذان الفجر، ولكن الغانية لما رأت أن تلك الحيلة مبعثها حب القاضي للسلطان، قررت أن تُعيد هي الأخرى للسلطان حريته تعبيراً عن حبها، حتى ولو كان ذلك قبل الموعد المتفق عليه سلفاً، وقد أهداها السلطان الياقوتة الكبرى التي تزين عمامته.. قائلا : لن أنسى أبداً أني كنتُ عبدك لليلة.
القوي من يحتمي بالقانون والحق .. لا من يحتمي بالسيف.
-----------------------------
بقلم: خالد حمزة
[email protected]