لا شك أن قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرتي اعتقال بحق كل الإرهابي الصهيوني بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق والعضو في مجلس الحرب "يوآف جالانت"، هو قرار تاريخي بكل المقاييس، بغض النظر عن رفض واعتراض الكيان الصهيوني، ومعه الولايات المتحدة الأمريكية.
وتعبيرات حكم المحكمة الجنائية الدولية تؤكد أهمية الحكم حيث قال منطوق الحكم "إن قبول إسرائيل باختصاص المحكمة غير ضروري، بسبب وجود أسباب منطقية للاعتقاد بأنهما ارتكبا جرائم حرب"، كما نص على أن "ثمة أسباب منطقية تدعو للاعتقاد بأن نتنياهو وجالانت أشرفا على هجمات على السكان المدنيين في قطاع غزة"، وهذا في حد ذاته يؤكد تورطهما في جرائم راح ضحيتها ما يقرب من 44 ألف شهيد، بخلاف ما يقرب من 800 شهيد في الضفة.
صحيح أن حكم المحكمة وقرارها شمل مذكرة اعتقال أخرى للقائد العام لكتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس إبراهيم المصري والمعروف بـ"محمد الضيف"، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، إلا أن الأهمية السياسية والعملية في قرار الاعتقال ما يخص رئيس الكيان الصهيوني، ووزير الدفاع الصهيوني السابق وهو الأكثر أهمية مع تحديد مجموعة من الاتهامات لهما.
حيث أكدت أن جرائم الحرب ضد نتنياهو وجالانت تشمل، "استخدام التجويع كسلاح حرب والقتل والاضطهاد، وأفعال أخرى غير إنسانية"، كما أن قرار الجنائية الدولية جاء بالإجماع" بإصدار مذكرة اعتقال ضد نتنياهو بسبب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ارتكبت على الأراضي الفلسطينية منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى اللحظة.
ومن جوانب الأهمية قي قرار المحكمة، أن عددا من القضاة، بينهم المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، الذين طلبوا البت بشكل عاجل في أوامر اعتقال نتنياهو وجالانت، وشدد في الوقت ذاته على أنه يحق للمحكمة مقاضاة المواطنين الإسرائيليين.
والسخف الصهيوني بشأن قرار المحكمة، جاء على لسان رئيس وزراء الكيان "بنيامين نتنياهو" بالقول أن "مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية لن تمنعه من الدفاع عن إسرائيل، مدعيا، لن يمنعنا أي قرار شنيع ضد إسرائيل، ولن يمنعني، من الاستمرار في الدفاع عن بلادنا بكل الطرق، ولن نستسلم للضغوط"، بل زاد وقال "نرفض رفضاً قاطعاً الأكاذيب السخيفة والكاذبة التي وجهتها إليها المحكمة الجنائية الدولية".
وما يؤكد خطورة قرار الجنائية الدولية، ما جاء على لسان الرئيس الإسرائيلي "إسحاق هرتسوج" بوصف قرار الجنائية الدولية بأنه "يوم مظلم على العدالة والإنسانية"، مدعيًا بأن المحكمة حولت العدالة الدولية إلى مادة للسخرية الدولية، والقلق وصل من "هرتسوج"، قوله "قرار المحكمة يسخر من تضحيات كل أولئك الذين يناضلون من أجل العدالة، منذ انتصار الحلفاء على النازيين حتى اليوم، وأنه يتجاهل محنة الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس".
ولم ينتبه هذا الصهيوني لهذا الحجم من الضحايا بين شهيد ومصاب وعاجز ويتيم ومشرد بسبب الهمجية النازية الصهيونية، والتي التفتت لها "الجنائية الدولية في تفاصيل قرارها، بل وصلت بجاحته إلى اتهام المحكمة الجنائية الدولية، بالتحيز إلى جانب "الإرهاب والشر"، وأنها حولت نظام العدالة ذاته إلى "درع بشري لجرائم حماس ضد الإنسانية"، بينما جرائم الجيش الصهيوني هي الأكثر بشاعة في تاريخ الإنسانية.
ولم تهتم كثير من دول العالم، بتصريحات الشخصيات الصهيونية المختلفة، سواء التي جاءت على لسان رئيس الكنيست الإسرائيلي "أمير أوحانا"، ليترك القضية الرئيسية متهما الجنائية الدولية باستهداف – ما أسماه - بالقادة المنتخبين ديمقراطياً في إسرائيل" في "الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط والدولة اليهودية الوحيدة في العالم"، أو ما قاله "جدعون ساعر" وزير الخارجية الإسرائيليين بقوله "المحكمة الجنائية الدولية فقدت كل شرعيتها".
والأغلبية العظمى من ردود الفعل العالمية والعربية والإسلامية، جاءت مؤيدة لأهمية قرار المحكمة الجنائية، وتعزيز مبدأ العدالة، وتطبيق معايير موحدة لكافة قرارات "الجنائية الدولية"، واستقلالية المحكمة في قراراتها.
وجاء تحفظات أو رفض عدد محدود جدا من الدول، تركزت من الدول المؤيدة للكيان الصهيوني، أو من تلك الدول التي تخشى قرارات المحكمة، من أن تطول قادتها في قضايا تتسم بانتهاكات حقوق الإنسان.
ومن الطبيعي أن تنحاز الولايات المتحدة لـ "ربيبتها إسرائيل"، برفض قرار المحكمة، والذي بدأ على لسان متحدث باسم مجلس الأمن القومي بوقله "الولايات المتحدة ترفض بشكل جوهري قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف جالانت"، ومن سخافات الأيام أن يقول "لا نزال نشعر بالقلق العميق إزاء اندفاع المدعي العام إلى إصدار أوامر الاعتقال والأخطاء العملياتية المثيرة للقلق التي أدت إلى هذا القرار".
وليس غريبا أن تهلل واشنطن دائما لكل ما يصدر من قرارات عن المحكمة الجنائية، طالما انها بعيدة عن الكيان الصهيوني، ولا يمكن أن ننسى موقفها من القرار الصادر بشأن الرئيس السوداني السابق "عمر البشير"، فرغم أنها عضو غير فاعل في المحكمة الجنائية الدولية، فإنها موقفها يؤيد ويسعى لتطبيق قراراتها طالما بعيدة عنها أو عن القادة الصهاينة.
وتفعيل مثل هذه القرارات من "الجنائية الدولية، يحتاج جهدا دوليا وعربيا بالأساس، لتوظيفه واستخدامه كورقة ضغط ضد "الكيان الصهيوني"، وعدوانه الغاشم على الفلسطينيين في غزة والضفة، وما يجري في لبنان، خاصة أن الموقف العام هو أن دول العالم خاصة الأعضاء في المحكمة ملزمة بمنع سفر رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، ووزير الدفاع السابق إليها عقب مذكرات الاعتقال، وملاحقته إذا حطت قدماه لأراضي أيًا منها.
ولابد من أن نرفع شعار " كل دول العالم الأعضاء وغير الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية "ادعموا القانون الدولي"، وطبقوا قرارات المحكمة لإرساء العدالة ومحاكمة من تلوثت أيديهم بدماء أطفال ونساء وشيوخ وشباب الفلسطينيين".. والسؤال هل نحن كعرب قادرون على ذلك؟ أعتقد نعم.. ويبقى التنفيذ.
-------------------------------
بقلم: محمود الحضري