01 - 06 - 2025

حرب باردة وليست سلاما

حرب باردة وليست سلاما

دون ادعاء علم ببواطن الأمور ، فأن ظواهرها تشير بجلاء إلي توتر مكتوم في العلاقات المصرية / الإسرائيلية؛ ودون أي جهد بحثي ، فأن تسونامي ترامب ، سوف يزيد من سخونة المواجهات عالمياً، وفي الشرق الأوسط. 

لقد كانت معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل نتيجة تضافر عوامل كثيرة أبرزها نتائج حرب أكتوبر ، وأوضاع مصر الإقتصادية ، وانفراد السادات بالقرار . وقد ران علي شعب مصر صمت متألم ، ورضا علي مضض ، حين عاد السادات من القدس في موكب انتصار عبر شوارع القاهرة .

وتبودلت الأنخاب في عواصم مختلفة ، ولكن القاهرة كانت في وضع تحفز تنتظر ثمار " الحرب " وجائزة " السلام " .

لم ينتبه الكثيرون إلي بعض الأخطاء المنهجية التي ارتكبها السادات ، فقد كانت حمي المبادرة ، وصدمتها تشبه نوعا ثقيلا من الخمور ، أدار الرؤوس وشوش الرؤي. أن مبادرة السلام لم تتصدي لجوهر المشاكل الداخلية التي واجهت مصر، وكشفت عن نفسها في انتفاضة الفقراء التي أطلق عليها السادات اسم " انتفاضة الحرامية " ، وقد كان ذلك قبل مبادرته بعشرة أشهر .

وتمثلت المعارضة الأقوي للمبادرة داخل مصر في قوي اليسار وخاصة الناصريين ، فاتجه السادات إلي تيار الإسلام السياسي كي يحاصر به تلك المعارضة ، وكان ذلك خطأ إستراتيجي كلف السادات حياته فيما بعد.

ولم تكن كل المؤسسات المصرية متوافقة حول تلك الخطوة الجريئة التي قفز فيها السادات حواجز عديدة ، وأثارت غضب واعتراض مؤسسات هامة مثل الخارجية والدفاع ، وعندما توالي استقالة وزراء الخارجية المصريين ، شعر السفير الأمريكي في القاهرة هيرمان إيليتس بالقلق ، فتوجه إلي المشير الجمسي يسأله بقلق عن موقفه وموقف القوات المسلحة ، فأجابه بإقتضاب أنه غاضب ، ولكنه لا ينوي الإستقالة ، فهو رجل عسكري ملتزم بالقرار السياسي للدولة .

ولكن مبارك كان يعلم أن " السلام " لا يزيد عن علم إسرائيلي فوق مبني في القاهرة ، خاصة حين تراجع اليسار الإسرائيلي ، وتزايدت حماقات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بدرجة أحرجت النظام المصري الذي كان يصر علي أنه لم يعقد سلاما منفردا ، وإنما كان يتحرك وفق رؤية متفق عليها مع " الشريك " الأمريكي ، لتوسيع قاعدة السلام في المنطقة .

لذلك لجأ مبارك إلي حفظ السلام في الفريزر ، وردت إسرائيل بمحاولات متكررة لإبعاد مصر عن دائرة التفاوض مع الفلسطينيين ، وهو ما اعترف به بعض الخبراء الصهاينة ، ومنهم سفير إسرائيل السابق في مصر شيمون شامير الذي صرح أن رابين وبيريس كانا يسعيان دائما لتجاوز مصر لتفادي ثقلها الدبلوماسي في التفاوض مع الفلسطينيين ، وأن من المؤكد أن نتنياهو أعتمد ذلك كسياسة ثابتة لحكومته .

ولقد أصبح الآن معلوما الجهد الذي بذله الملك حسين مع رابين لإخفاء قرب التوصل لإعلان المبادئ الذي تم توقيعه في واشنطن عام 1994.

لقد سارت مصر كل هذا الطريق الطويل المليء بالأشواك ، حتي وصلت اليوم إلي ذلك المفترق الخطير : "سلام كان باردا ، تحول بسلوك الصهاينة وبعض الأخطاء العربية إلي " حرب باردة " يجري حالياً تسخينها في الأفران الصهيونية علي مشارف سيناء .
--------------------------------
بقلم: معصوم مرزوق
* مساعد وزير الخارجية السابق

مقالات اخرى للكاتب

لا تحضر العفريت.. كن حاضرا له !