بعد عشر سنوات من نشأة "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا"، ينطلق "متحف سجون داعش" الرقمي التفاعلي https://isisprisons.museum/ ليوثّق ويؤرّخ لجرائم وانتهاكات التنظيم المسلّح. وهدف المتحف هو "السعي إلى زيادة الوعي العالمي بجرائم داعش، وتوثيق سِيَر الضحايا والناجين، والمساهمة في تحقيق العدالة عبر تقديم الأدلة ونتائج التحقيقات إلى الجهات القانونية للدفع بمسارات العدالة والمساءلة"، كما قال مديره ومؤسّسه الصحفي السوري عامر مطر.
وبالإضافة إلى حضوره الافتراضي، نظم المتحف معارض مادية حول العالم، كان أولّها في مقر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "يونيسكو" في باريس، تحت عنوان "ثلاثة جدران: حكاية المكان في الموصل القديمة". وقدم المعرض الأدلة الجنائية التي جُمعت من مواقع جرائم داعش، إلى جانب توفير جولات ثلاثية الأبعاد لعرض المواقع التاريخية التي احتلّها "داعش" بين عامي 2014 و2017 في الشرق الأوسط. وافتتح المعرض الموسيقي العراقي الشهير وعازف العود نصير شمة، فنان اليونيسكو للسلام، مستحضراً الإرث الموسيقي لمدينة الموصل في حفل حي مجاني مفتوح لـ 1300 ضيف.وتتواصل جهود فرق متحف سجون داعش لإجراء التحقيقات في سوريا والعراق، إذ يجمع عمل المتحف بين حقول الصحافة، وحقوق الإنسان، ويستخدم أحدث تقنيات التواصل، بجهود نساء ورجال مبدعين من المنطقة العربية والعالم.
وأكد مطر أن حوالى 100 من الصحفيين الاستقصائيين، والفنانين، وصانعي الأفلام، والمهندسين المعماريين، وخبراء التصميم ثلاثي الأبعاد، والقانونيين، والعاملين في الأراشيف، والمترجمين، والمحللين، والباحثين، ساهموا في هذا المشروع منذ العام 2017 "". إضافة الى الأبواب الرئيسية التوثيقية والاستقصائية والشهادات، يفرد المتحف قسماً خاصاّ لمقالات جَمَعها "مُتحف سجون داعش" من تَجارِب متنوِّعة عاشها مُعتقلون ساِبقون في بعض السجون حول العالم، بُغْيَة فهم التّرابُط بين الأنظمة السّجنيّة القَمعيَّة، ومُقاطعةِ الإجراءات فيها مع النظام القضائي والسّجْني عند تنظيم الدولة الإسلاميّة، من ناحية الأَحْكام العُرفيّة والتّحقيقات العنيفة وظروف الاعتقال القاسية.
يركّز المتحف على دور السجون التي كانت جزءًا رئيسيًا من حكم التنظيم، حيث مرّ بها عشرات الآلاف من الأشخاص، منهم من تعرض للاختفاء القسري، ولم يُعرف مصيرهم بعد.
يَحْوي أرشيف المتحف باللغتين العربية والإنكليزية، قاعدة بيانات لأكثر من 70 ألف وثيقة، وملابس ومتعلّقات شخصيّة ممّا تركه السجناء والسجّانون في مراكز الاعتقال والمحاكم، أو ممّا خلّفه التنظيم وراءه إضافة الى لقطات للمقابر الجماعية التي تمّ توثيقها باستخدام الطائرات بدون طيار (الدرون). وقد أجرى فريق عمل المتحف، مئات المقابلات المصوّرة مع ناجين وناجيات من السجون والمجازر، منذ العام 2017 حتى الآن.
يعرض المتحف للجمهور العالمي، جولات مصوّرة ثلاثية الأبعاد (3D) عن عشرات السجون والمقابر الجماعية والقرى والمدن التي ارتكب التنظيم فيها انتهاكاته. ويعيد فريق المحقّقين والباحثين بناء مسارح الجرائم، بناء على الشهادات والوثائق وتفاصيل الأبنية والأماكن الموثقة.
ويعمل فريق من الصحفيّين والقانونيّين والمعماريّين والباحثين الميدانيّين على إجراء تحقيقات استقصائية دقيقة، لكشف الجرائم التي ارتكبها التنظيم، وتوثيقها بشكل دقيق.
وقد أسس المُتحف مِنَصَّة "جواب" لدعم عائلات المفقودين في جهودهم لمعرفة مصير أحبائهم، وتكريم الضحايا.
يروي مدير المتحف عامر مطر أنه "بدءًا من العام 2017، وبمجرد خروج تنظيم الدولة الإسلامية من المناطق التي سيطر عليها في سوريا والعراق، دخل فريقنا المباني التي كان قد تحولت على يد التنظيم إلى سجون، أنشأ فيها غرف تعذيب ومواقع إعدام. كان دافعنا الأساسيّ، البحث عن زملائنا الذين اختطفهم داعش عام 2013، ورغم أننا لم نعثر على أثرهم، لكننا اكتشفنا عشرات الآلاف من الوثائق المهمة، ووثقنا مئات الأسماء التي كتبها المعتقلون على الجدران".
ويضيف: "كانت مهمتنا التالية هي أرشفة هذه المواد وحفظها، وقبل تعرّض تلك المباني للهدم أو الترميم، بدأنا تصويرها وتوثيقها وحفظ جميع الوثائق التي وجدت فيها. أدت هذه العملية في المحصلة إلى تبلور مشروع "متحف سجون داعش" وإطلاقه".