انعقدت القمة العربية ـ الإسلامية غير العادية بالرياض في سكوت، وانفضت في هدوء، وتوارت بخبرة، خلف بيان ختامي "كلاسيكي" يناشد ويندد ويدعو.
البيان تضمن 38 قرارا، منها "التأكيد على دعم الجهود الكبيرة والمقدرة التي بذلتها كل من مصر وقطر بالتعاون مع الولايات المتحدة" .. قرار في غير مكانه وزمانه، قبل أن يضفي التباسا وغموضا على طبيعة التعاون مع واشنطن في مفاوضات تبادل الأسرى، والذي يجعل العرب يشكرون الولايات المتحدة الشريك الرئيس في الجرائم الصهيونية المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني؟!!..هل يشكرونها على مفاوضات "إضاعة الوقت" التي تمنح نتينياهو العربدة في غزة والضفة؟ أم إرضاء (مجرد إرضاء) الشريك الاستراتيجي للعرب الذي يمد آلة القتل والدمار الإسرائيلية بالقنابل والصواريخ والطائرات والذخيرة ، وسواء كان الأمر هذا أو ذاك، فإن المفاوضات التي نالت دعم أمريكا، بما يستوجب شكرها، منحت إسرائيل الفرصة لكسب الوقت بأسلوب المماطلة المعهود عن الإسرائيليين لارتكاب المزيد من الانتقام بالقتل والتدمير والتشريد.
وقع العرب في فخ "التفاوض" مع تل أبيب، حيث المساومة والابتزاز ومقايضة الرحمة باللحم البشري، لإفساح الوقت أمام مشروع التهجير الذي يتبناه اليمين الديني الحاكم في إسرائيل، على خلفية عقيدة توراتية ترى في الإنتقام هدفا في حد ذاته، وفي ظل دعم أمريكي سافر لا يستحق إلا الإدانة ، لا الشكر.
هذا القرار المتعلق بشكر الولايات المتحدة (بعد مصر وقطر) محاولة بائسة لغسل يد أمريكا من دماء الفلسطينيين ويُخرِجْ التورط الأمريكي الفاضح، من سياقه التآمري، وشراكته المفضوحة في القتل والكذب والتدليس.. قرار يخرج أمريكا من مسرح الجريمة برمتها.
أما ما يثير الدهشة في قرارات القمة، أن بيانها الختامي خلا تماما من ذكر الولايات المتحدة بالإسم، في أي من القرارات الـ38.. حتى المتعلق منها بالمناشدة، تجنب البيان مخاطبة واشنطن، واختبأ خلف المجتمع الدولي ومنظماته الأممية من أجل "وضع حد للجرائم الإسرائيلية وإلزام إسرائيل بوقف سياساتها العدوانية".. ناشد العرب في بيانهم الجميع، إلا أمريكا، الصديق والحليف وشريك إسرائيل في القتل.
بيد أن المؤتمر الصحفي الذي عقده الأمير بن فرحان، وزير الخارجية السعودي مع الأمين العام لجامعة الدول العربية، السيد أبو الغيط في اعقاب انتهاء القمة غير العادية، كشف عن مواقف سياسية تتخفي وراء"فلسطين" لتبرير مالا يمكن تبريره :
ـ في تعليقه على المجازر الإسرائيلية وكيفية إيقافها، أرسل الأمير إشارتين من خلال رده على سؤال يتعلق بأهداف الحرب، مؤكدا أن أهداف إسرائيل "تتجاوز مجرد ضمان أمنها ".. إشارتين في جملة واحدة ،الأولى للمجتمع الدولي، تكشف وتحذر من النوايا، والثانية لإسرائيل تلوح بعدم الممانعة العربية في "بعض من القتل"، مقابل أن تحل إسرائيل مشاكلها في غزة ،، لكن ليس إلى هذا الحد المأساوي، الذي يقتل بلا رحمة ويثير حنق الشعوب العربية على حكامها وعلى الجامعة العربية..
ـ حتى فكرة الانضمام إلى الدعاوى المرفوعة ضد إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية، لم يناقش القادة الانضمام إليها، إنما اختبأوا وراء المحكمة ، واكتفوا بقرار يتضمن في صياغته "حثها على سرعة اصدار مذكرات اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين"
أما ما يثير الحنق، أن العرب ما يزالون على اعتقادهم أن إسرائيل يمكن العيش معها في سلام، رغم مشاهد الإبادة والتجويع والدمار، المدموغة بعقيدة الانتقام من "الأعداء" بدليل أن وزير الخارجية السعودي قال خلال مؤتمره الصحفي "سنواصل العمل من خلال الدبلوماسية لتحقيق السلام الذي نستحقه جميعا".. اختباء وراء السلام (إذا كان سلاما) ، لكنه في حقيقة الأمر استسلام للمشروع الصهيوني، الذي يمليه علينا البيت الأبيض بقوة السلاح الإسرائيلي، وتواطؤ أوروبي، انتهازا لحالة "الترهل" العربي التي قد لا تتكرر لاحقا.
فلسطين تضيع أمامنا، وليس بوسع القادة العرب شيئا.. فأوراق اللعبة كلها أصبحت في يد إسرائيل.. وإلى أن تدور عجلة التاريخ وتتعادل موازين القوى، ستبقى فلسطين أمام القادة العرب، مجرد دجاجة تبيض"خطبا"!
------------------------------
بقلم: أحمد عادل هاشم