06 - 05 - 2025

المعارضة ودورها في بناء الوطن.. قراءة في أبعاد المسؤولية السياسية والاجتماعية

المعارضة ودورها في بناء الوطن.. قراءة في أبعاد المسؤولية السياسية والاجتماعية

المعارضة في أي دولة ليست مجرد رد فعل على سياسات الحكومة أو تصرفات السلطات، بل هي في جوهرها حجر أساس في بنية المجتمع السياسي، وقوة ناعمة تمتلك إمكانية تحقيق التوازن والعدالة الاجتماعية. في مجتمعات تتسم بالتحولات والتحديات، تصبح المعارضة الوطنية سندًا ومصدرًا للتجديد، فتارةً تحمي الوطن من التهور أو الطموح المفرط، وتارةً تدفع نحو مزيد من الإصلاحات الضرورية لتقدم البلاد ورفاهية المواطنين. والمعارضة الصادقة لا ترى اختلاف الرأي عداء، بل تعتبره فرصة لتحفيز المجتمع نحو التحليل والنقد البنّاء. فهي تدفع الحكومة لتقديم الأفضل وتصون حقوق الشعب، وتؤكد أن الأوطان لا تُبنى برأي واحد أو رؤية ضيقة.

وهنا تأتي المعارضة البناءة كقوة تدفع المجتمع بأكمله نحو أهداف تتجاوز المصالح الشخصية، فهي تتسم بالحكمة والنضج، وتدرك أن تحقيق الأهداف الوطنية يتطلب النظر إلى أبعد من الحاضر وتقديم بدائل حقيقية تضمن مصالح الوطن على المدى الطويل. في كل اقتراحاتها، لا تستهدف المعارضة البناءة التباهي ولا الاستعراض، بل ترى في نفسها جهة مسؤولة أمام الشعب تسعى إلى حماية الوطن من أي قرارات غير مدروسة قد تؤدي إلى نتائج كارثية على الشعب واقتصاده واستقراره. هذه المعارضة تطرح البدائل التي تخرج من قلب الواقع وتقدم مقترحات تهدف إلى إحياء الروح الاقتصادية ودعم العدالة الاجتماعية، بعيداً عن سياسات الاستفزاز والهدم، بل تتجه لبناء الأرضية الصلبة التي يستحقها الشعب.

المعارضة البناءة هي منارة للتفكير النقدي ودعامة أساسية في وجه التحديات التي لا تنتهي، ووجودها ضروري لتصحيح المسارات، حيث تُسهم بواقعية ورؤية شاملة في معالجة القضايا الوطنية سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية. كما أنها لا تسعى إلى معارضة من أجل المعارضة، بل لخلق مناخ جديد يدفع الجميع لتقديم أفضل ما لديهم.

لكن، كما يوجد هذا النوع من المعارضة النبيلة، توجد أيضاً قوى لا ترى في المعارضة سوى أداة لزعزعة الاستقرار وبث الفوضى. وتظهر هذه الفئة من خلال معارضة هدامة لا تعرف إلا خلق الأزمات دون تقديم حلول. هذا النوع من المعارضة يحركه دافع التخريب، ويستغل الظروف الداخلية ليصنع صراعات مستمرة تُشغل الوطن وتستنزف مقدراته، فلا تخدم الشعب ولا تترك المجال مفتوحاً للمضي قدماً، بل تسعى جاهدة لتثبيت حالة من التوتر والصراعات الداخلية بهدف كسر روابط الثقة بين الدولة والمواطنين. هذه القوى تستخدم شعارات رنانة وتدّعي العمل لصالح الشعب، لكن في الواقع تقف خلفها أجندات لا تصبّ إلا في صالح مصالح خارجية تسعى لاستنزاف ثروات البلد وإضعاف إرادته.

وهنا ينبغي أن ندرك أن هذه المعارضة الهدامة تفتقر تماماً للحلول أو الرؤية المستقبلية. هي أشبه بظلٍ ثقيل على حياة الشعب، تختلق الأزمات وتغذي الصراعات بدلاً من أن تكون جزءًا من الحل. هدفها إدامة حالة عدم الاستقرار وتعميق الشرخ بين مختلف الفئات المجتمعية لتسهيل تمرير مخططات بعيدة عن مصالح الوطن. وهؤلاء لا يعملون من أجل مصلحة الشعب، وإنما لتخديم أطراف خفية تجعلهم أدوات تستغل الأوضاع لفرض أجندات ضيقة، وتعمل على نشر الفوضى بدلاً من تحقيق العدالة الاجتماعية والازدهار الوطني.

التحدي هنا يكمن في التمييز بين من يدّعي المعارضة ومن ينتهجها بنية البناء والإصلاح، فالشعارات وحدها لا تعكس النوايا، والمواقف هي المعيار الأهم. المعارضة البناءة تلتزم بتقديم حلول تتعامل مع القضايا الملحة كالتنمية والاستقرار الاجتماعي، بينما المعارضة الهدامة تبقى عالقة في دوامة من التذمر والنقد السطحي دون رؤية واضحة أو خطة قابلة للتنفيذ.

نحن بحاجة ماسة في هذا الوقت أن نفهم أن المعارضة هي جزء من النظام الديمقراطي الذي يقوم على التعددية والتنوع في الآراء. لكن على الجميع أن يدرك أن هذه الحرية ليست مطلقة ولا يجب أن تتيح للمعارضة أن تقود البلاد نحو الفوضى، فالديمقراطية تعني في الأساس البحث عن حلول جماعية، وتحقيق مصالح الوطن، وليس خلق نزاعات لا تنتهي. كل معارضة تهدف إلى التقدم وتحقيق الأهداف الوطنية هي قوة تعزز الاستقرار وتدعم المجتمع، أما المعارضة التي تتبنى سياسات الهدم والتخريب، فهي خطر يجب أن يعيه الشعب حتى لا تكون العقبة التي تحول دون تحقيق طموحات البلاد.

البلاد تحتاج إلى معارضة تدفع عجلة التقدم وتبني قواعد التغيير على أرضية صلبة، وتؤمن بأن حماية الوطن تبدأ من الاحتكام إلى العقول وابتكار الحلول الواقعية.
------------------------------------
بقلم: محمد عبدالمجيد هندي
* قيادي عمالي مستقل، مؤسس ورئيس المجلس القومي للعمال والفلاحين تحت التأسيس

مقالات اخرى للكاتب

يوم الشهيد.. ملحمة الوفاء وتاج العزة للوطن