يأتي مسلسل "تيتة زوزو" ليحقق حلماً طالماً طرحه النقاد للتساؤل على مدار عقود سابقة في عالم الإنتاج الفني المصري، وهو لماذا يُفرض عُمر محدد لشخصية البطل؟ لماذا يجب أن يكون العمل الدرامي يدور حول شخصيات عشرينية أو أربعينية على أقصى تقدير؟، ولماذا لا تُكتب أعمال يكون فيها البطل رجلاً أو امرأة في السبعين مثلاً؟
هنا يأتي مسلسل "تيتة زوزو" ليقدم نموذجاً ناجحاً وهاماً لهذه الشخصية المحورية في الدراما التي كنا نحلم بها، فالبطل هنا امرأة يمكن أن تكون في نهاية الستينيات أو بداية السبعينيات، وهي شخصية مازالت تتمتع بالحيوية والرغبة في الحياة، ولديها قائمة أحلام تُخطط لتحقيقها رغم كل المسؤوليات وأعباء العمل الذي ما زالت قائمة عليه، وكذلك مسؤولية أبنائها وأحفادها الذين مازالت مشتبكة معهم في حياتهم، كل واحد منهم بنوعية حياته المختلفة ومشاكله التي تتناسب وهذه النوعية من الحياة، لكل واحد من أبنائها عقده النفسية الخاصة ومصيره الذي رُسم بناءً على هذه العُقد.
أطلق مسلسل "تيتة زوزو" على منصة "شاهد" ولعبت دور البطولة الفنانة القديرة إسعاد يونس، التي تعود بهذا العمل إلى الشاشة الصغيرة كشخصية محورية تلعب دور البطولة هذه المرة، فهي هنا تلعب شخصية دور الجدّة التي تعيش تجارب اجتماعية مغلفة بإطار كوميدي مع أفراد عائلتها، فرغم الموضوعات الهامة التي ناقشها المسلسل إلا إنه يأتي في سيناريو عائلي خفيف ولكنه عميق وجاذب في نفس الوقت، نجح في جذب قاعدة واسعة من المشاهدين.
إن وجود شخص مثل الفنانة إسعاد يونس يساعد بالتأكيد على كتابة نصوص درامية مثل مسلسل "تيتة زوزو"، فبرغم عدم معرفتي بكواليس إنتاج هذا المسلسل وإخراجه إلى النور، إلا أنني أتخيل أن المسلسل مكتوب خصيصاً لإسعاد يونس، فهي وحدها على الساحة الفنية التي بإمكانها لعب هذا الدور، رغم وجود ممثلات نجمات في نفس الشريحة العمرية، إلا أنهن لا يمكنهن الوقوف أمام كاميرا مسلسل "تيتة زوزو" بديلاً عن إسعاد، فالدور يليق بها جداً واستطاعت أن تؤديه بتلقائية شديدة، أدخلت تيتة زوزو بسلاسة في قلوب قاعدة عريضة من المشاهدين، الذين عاشوا كل اللحظات معها وانتظروها في بيوتهم متشوقين لمعرفة ما الذي حدث لها في تحدياتها اليومية مع أبنائها وأحفادها.
يُحسب للمسلسل اهتمامه بتقديم شخصيات محببة ومواقف يومية تلامس حياة الناس اليومية، ما يساعد على خلق جوّ من الألفة بين المشاهد والأحداث. كما أن الأداء الجيد من طاقم التمثيل كله أسهم بشكل كبير في نجاح هذه الديناميكية، فلقد شاهدنا وجهاً جديداً للفنان نور محمود وأداءً متميزا للفنانة ندى موسى، ونفس الأمر مع الفنان محمد كيلاني، ولكن الانبهار الحقيقي جاء مع الفنان حمزة العيلي الذي يمتلك قدرات هائلة في التلون ورسم ملامح بارزة وملموسة لكل شخصية يلعبها، ونفس الأمر مع الفنانة سمر علام التي أثبتت أنها قادرة على أداء أدوار رئيسية، ما يدعونا للتساؤل: لماذا لم تأخذ هذه الطاقة التمثيلية المتميزة حظها في الدراما التلفزيونية حتى الآن، وكذلك عابد الفهد الذي يؤكد بصمته كفنان موهوب يستحق أن يحصل على دور البطولة في عمل من الأعمال الدرامية فهو لا ينقصه شئ من حيث الأداء التمثيلي أو من حيث الشكل والكاريزما. كانت المفاجأة أيضاً مع الطفلة جوليا كريم التي لعبت دور "ديجا" التي تعاني بسبب انعدام التناغم بين والديها وانشغالهما عنها.
نجح السيناريست محمد عبد العزيز في إدخال الكوميديا عبر المواقف اليومية والحوارات الطريفة التي تأتي بشكل طبيعي ودون تكلف. ومع أن المسلسل يُصنف كعمل كوميدي، إلا أنه يتطرق إلى بعض القضايا الاجتماعية المهمة في المجتمع المصري المعاصر، ويتناولها ببساطة ودون تعقيدات كثيرة مثل تعامله مع قضية (قتل رجل لامرأة اختارت رجلاً غيره لتتزوجه) حيث قدمها في إطار كوميدي من خلال شبحين يسكنان بيت تيتة زوزو ويعاكسنها بإخفاء أغراضها وإزعاجها بإصدار جلبة مع نقل الأثاث، إلا أن البساطة جاءت كنقطة قوة، حيث فضل صناع المسلسل التركيز على الجانب الترفيهي بدلاً من تعقيد الحبكة بدراما مكثفة.
على صعيد الإخراج لاحظنا وجود بعض التكرار في طريقة تقديم المشاهد ونمط السرد، حيث تعتمد الحلقات بشكل كبير على المواقف اليومية المتشابهة دون تطور كبير في الحبكة أو التحول الدرامي. قد يكون هذا الخيار مناسباً للأعمال الكوميدية الخفيفة، لكنه أضعف بناء القصة في بعض الحلقات، مما قد يجعل بعض المشاهدين يشعرون بالملل أو الرتابة.
في النهاية خرج مسلسل "تيتة زوزو" كإضافة مهمة للساحة الدرامية حيث نحتاج إلى مثل هذا التنوع في الدراما والاستفادة بالفنانين الكبار وقدراتهم التمثيلية الكبيرة، خاصة وأن الأجيال التي تعيش في الستينات أو السبعينات من عمرها الآن، لم تعد بنفس نمطية الإنسان العجوز الذي لا دور له في المجتمع كالسابق ، فهذا الجيل أصبح له روتين مختلف في الحياة مليء بالعمل والنشاط ومطلع على كافة التطورات التكنولوجية ومازال لديه الكثير من الأهداف ليحققها مع أحفاده، ورغم بعض التحديات التي واجهت المسلسل من حيث التكرار وعدم وجود حبكة متطورة، إلا أن أداء إسعاد يونس يظل حجر الزاوية في نجاحه، حيث بثت الحيوية في شخصية زوزو وجعلتها محبوبة بين الجمهور. بصفة عامة،"تيتة زوز" وهو مسلسل يسعى إلى الترفيه وتقديم ضحكات خفيفة للمشاهدين، وهو ما يجعله مناسباً لمختلف الفئات العمرية الباحثة عن تجربة تلفزيونية بسيطة ومرحة.
-------------------------
بقلم: أمنية طلعت المصري