يعد شحاتة المقدس، نقيب الزبالين، شخصية جديرة بالاحترام على الصعيد الوطني بفضل دوره البارز في العديد من القضايا، أبرزها أزمة دير المقطم، الذي أضاف بريقًا جديدًا على شخصيته، هذا الرجل، الذي خرج من الهامش ليصبح صوتًا للمهمشين، استطاع أن يجذب الأنظار إليه بفضل شخصيته القوية وقدرته على التعبير عن آرائه بوضوح وصراحة، فهو ليس مجرد نقيب نقابة مهنية، بل هو رمز لكفاح الفئات المهمشة في المجتمع المصري، حيث نشأ وترعرع في بيئة شعبية ذو طابع أرثوذوكسي أصيل، ويعرف جيدًا معاناة الفقراء والمحرومين، وهذه الخلفية الاجتماعية جعلته حريصًا على الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم، و تحول بين ليل وضحاها إلي محط أنظار وسائل الإعلام المختلفة ذي قاعدة جماهيرية عريضة.
وكانت أزمة دير المقطم نقطة التحول في حياة شحاتة المقدس، فقد وقف بجانب الأنبا أبانوب أسقف عام المقطم، مدافعًا عن حقوق أهالي المنطقة، وتمكن من ضبط التأييد الشعبي للأنبا أبانوب وإنجاز التعاطف الشعبي لصالحه، وجعل قضيته قضية رأي عام، بجانب دوره في الدفاع عن حقوق الزبالين، الذين يعتبرون من أضعف الفئات في المجتمع، فقد سعى إلى تحسين أوضاعهم المعيشية والاجتماعية، والحصول لهم على حقوقهم المشروعة بدافع وطني، بل شارك في العديد من الأنشطة الاجتماعية والسياسية، وأصبح صوتًا للمهمشين في مختلف القضايا، بعد أن كان بالأساس دورًا مدنيًا، فلا يوجد تعارض بين الأمرين، في النهاية، يجب التأكيد على أن دوره لازال دورا مدنيا بامتياز، وأن دفاعه عن حقوق الأقباط كان جزءًا من دفاعه عن حقوق جميع المصريين.
وتخطت أزمة دير المقطم كونها مجرد خلاف ديني داخلي، بل كانت انعكاسًا لعمق الانقسامات المجتمعية وتأثيرها على المؤسسات الدينية، وقد استغل بعض الأطراف هذه الأزمة لتحقيق مكاسب دينية أو سياسية وأيضا من خلال استغلال عناصر التنظيم لترويج شائعات، مما زاد من تعقيد الأوضاع، فلم تكن الأزمة مجرد جدال خاص بين الأقباط أنفسهم، و لكنه انتهي بدور مشرف للمقدس شحاته في تهدئة الأوضاع، بعد أن بات المقطم نواة ومفرخة للتعددية والاستقطاب الطائفي وهيمنة طوائف أخري وكاد أن يدفع أقباط المنطقة ثمنا لمشروع يدار من الخارج ويستهدف زعزعة استقرار الكنيسة القبطية، فقد كافح شعب المقطم الذي بدا وكأنه نموذج مصغر لتأجيج الخلافات الطائفية بالنيابة عن كل أقباط مصر، فرفض أقباط المقطم التخلي عن الأنبا أبانوب الذي اختاره قداسة البابا تواضروس خِصِّيصَا لتطهير التعاليم الخاطئة والفكر اللاطائفي، ووجدوا فيه ما افتقدوا في الأعوام السابقة بعد التقلبات الديموغرافية والتركيبة السكانية للمنطقة بشكل كبير، مما أثر على التوازن الديني والثقافي.
وضرب شعب المقطم مثلا في اتباع منهج الإيمان الأرثوذكسي السليم الذي بدلا من مخطط كان يحاك في الظلام من أجل تحقيق الاندماج مع كل الطوائف دون وحدة إيمان سليم، بدلا من أن يثمر الحُوَار جذب الدير الأرثوذوكسي ذو التاريخ المشرف، وجد أقباط المنطقة أنفسهم داخل سلسلة من الانزلاقات والتنازلات، وكافح سلالة القديس سمعان الخراز ضد الانحرافات الإيمانية، وبالرغم أنه شعب بسيط إلا أن الإيمان الصامد وقف حائلا ضد الأجندات الخفية، واستطاعوا أن يعبروا عن مطالبهم بشكل سلمي، وأن يثبتوا للعالم أجمع قدرتهم على الثَّبات والتحدي، ليتحولوا إلى صوت للمسيحيين أجمع في مصر، والتغيير الإيجابي. ويتميز شحاتة المقدس بشخصية قوية وقدرة على تحمل المسؤولية، وبسمعة طيبة في الصدق والصراحة وسلاسة الأسلوب الممزوج باتضاع، مما يجعله محل ثقة المواطن، والتواصل مع كل الطبقات بسهولة، مما يجعله محبوبًا من قبل الجماهير، وقد ساهم في زيادة الوعي بأهمية الدفاع عن حقوق الفئات المهمشة في المجتمع، وتغيير النظرة الدونية للزبالين، وجعلهم يشعرون بالفخر بعملهم، بل أصبح مصدر إلهام للكثيرين، ودفعهم إلى العمل من أجل تحقيق التغيير الإيجابي، و تحول الي رمز للكفاح من أجل الحقوق والحريات. تعرض شحاتة المقدس لضغوط نفسية من بعض الأقباط الذين وصفهم "باللجان" الذين حاولوا الإساءة اليه بسبب موقفه الأخير في أزمه المقطم، واتهامات بتجاوز صلاحياته، تخطت كونها انتقادات بالرغم من حبه الشديد لقداسة البابا تواضروس والذي أظهره مرارا وتكرارا، محاولين دق المكايد أو بدافع التقرب، و ليست هذه المرة الأولي، فقد واجه صعوبات كبيرة في تحقيق التغيير المنشود، بسبب تعقيدات الوضع السياسي والاجتماعي في مصر، لكنه صمد وأثبت أنه يمكن أن يعمل علي توحيد شعب المقطم كقيادة ناجحة بل تحول إلي شخصية استثنائية، تركت بصمة واضحة في المجتمع المصري، قد يختلف البعض في تقييم دوره وأهدافه، ولكن لا يمكن إنكار أنه صوت مهم يجب الاستماع إليه، فصوته هو صوت الملايين من المهمشين الذين يبحثون عن العدالة والمساواة، وصار مؤخرا صوت الشارع القبطي الذي أظهر غيرته المشروعة علي كنيسته القبطية، فمثل هذه الأصوات القوية تساهم في زيادة الوعي الديني والوطني و كسر الحواجز الإجتماعية بين الطبقات المختلفة، وتساعد في بناء جسور التواصل بين الحاكم والمحكوم، بل استطاع ممارسة ضغط على صناع القرار من أجل إيجاد حلول للمشاكل التي يعاني منها المجتمع أو الكنيسة، ولكن مع زيادة شهرته، أصبح من الصعب عليه الحفاظ على استقلاليته واتخاذ القرارات بعيدًا عن التأثيرات الخارجية.
ويعتبر البيان الرسمي الصادر عن الكنيسه بشأن استقبال قداسة البابا تواضروس الثاني لنيافة الأنبا أبانوب يحمل في طياته العديد من الدلالات، ويفتح الباب أمام عدة تفسيرات محتملة لأسباب هذا اللقاء والاعتذار الذي قدمه الأنبا أبانوب، على الرغم من عدم ذكر السبب المحدد للإعتذار ، إلا أنه يمكن استنتاج بعض الأسباب المحتملة بناءً على السياق الكنسي العام والعلاقات بين رجال الدين، لا يتعدى كونه خلافا شخصيا بين أب و أبنه، وجرى حلها انطلاقًا من هذا اللقاء والاعتذار كان يسير طبقا لبروتوكول صياغة ضمنية ولفظية فقط، طبقا لقواعد الانضباط الكنسي من قبل أسقف عام، ليتحول حزن شعب المقطم الي فرح.
ونختتم هذه الزوبعة في الفنجان بقول قداسة البابا تواضروس معلقا، في أول قداس في المقر الإداري الجديد بمنطقة "مثلث الأمل"، إن عدو الخير دائمًا يحارب، ويُعكر الجو، وقد يستخدم أناس - لذلك نقول "كل حسد وكل تجربة وكل فعل الشيطان ومؤامرات الناس الأشرار، قيام الأعداء الخفيين والظاهرين"، فمحاربات عدو الخير معروفة في كل زمان، ولكن الله عندما أعطانا هذه المسؤولية أعطانا إياها لكي نخدم، "نخدم فقط"، ولا نلتفت يمينًا ولا يسارا، لكي نحقق قصده فينا، ونمجده، لذلك مهما حدث كما يقول الكتاب "وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا" (مت ١٦: ١٨)، أبواب أو أبواق الشر لن تقوى عليها.
-------------------------------
بقلم: جورجيت شرقاوي