شهدت الانتخابات الأمريكية الأخيرة خسارة كبيرة لنائبة الرئيس كامالا هاريس، وهي الخسارة التي أثارت تساؤلات عدة حول الأسباب والعوامل التي أدت إلى هذه النتيجة. وبالنظر إلى مسار الحملة الانتخابية، يمكن تحديد عدة أسباب رئيسية ساهمت في هذه الخسارة، بما في ذلك الأوضاع الاقتصادية، القوانين المثيرة للجدل، والأبعاد العقائدية والثقافية التي لعبت دورًا كبيرًا في تشكيل الرأي العام.
أولا : الأزمة الاقتصادية وتأثيرها على الشعب الأمريكي. أحد الأسباب الأساسية التي أدت إلى خسارة هاريس هو الوضع الاقتصادي الصعب الذي مر به الشعب الأمريكي خلال فترة حكم الإدارة الديمقراطية. شهدت الولايات المتحدة زيادة ملحوظة في الأسعار، وخاصة في أسعار الوقود والسلع الأساسية، مما أثر بشكل كبير على القدرة الشرائية للمواطنين. بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك زيادات في الضرائب، التي أُقرت لدعم سياسات الحكومة في الخارج، بما في ذلك تمويل الحروب والصراعات الدولية. هذا الوضع الاقتصادي الضاغط جعل العديد من الأمريكيين يشعرون بأن حكومتهم تركز على القضايا الدولية على حساب معاناتهم الداخلية، مما دفعهم للتصويت ضد الإدارة الحالية.
ثانيا: القوانين المثيرة للجدل حول حقوق المثليين والتحويل الجنسي للأطفال. أحد القضايا الأخرى التي أثارت جدلاً واسعًا في الانتخابات هي السياسات المتعلقة بحقوق المثليين والموافقة على عمليات التحويل الجنسي للأطفال. في فترة حكم الإدارة الحالية، تم تمرير قوانين توسع حقوق الأقليات الجنسية بشكل واسع، بما في ذلك السماح للأطفال الذين يعانون من اضطرابات هوية جنسية بالتحول دون موافقة الأهل. هذا التشريع أثار معارضة شديدة من عدة جهات، بما في ذلك العديد من الجماعات الدينية والمجتمعية. الحزب الجمهوري، وكذلك عدد كبير من الناشطين والمحافظين، نظموا العديد من المظاهرات الرافضة لهذه السياسات. شخصيًا، كنت وزوجي من المشاركين في هذه الوقفات الاحتجاجية، التي كانت تعبيرًا عن قلقنا من تأثير هذه السياسات على قيم المجتمع الأمريكي التقليدية. هذه القضية، التي تعتبر حساسة بالنسبة للكثير من العائلات الأمريكية، كانت من بين العوامل التي أدت إلى تراجع الدعم لهاريس، حيث وجد اصحاب الفكر الداعم للزواج التقليدي و الحفاظ على كيان الاسرة و علاقة الوالدين بالأبناء خطرا في وصول هاريس للحكم في حين يتبنى تلك القيم حزب المحافظين و دونالد ترامب.
ثالثا: الرفض العقائدي لتولي النساء المناصب القيادية. عامل آخر أسهم في خسارة هاريس هو الرفض العقائدي من قبل بعض الأفراد والجماعات الدينية التي ترفض تولي النساء المناصب القيادية. هذا الموقف يظهر بشكل خاص في بعض الأوساط التي تنتمي إلى ديانات معينة، مثل اليهودية، حيث لا تزال هناك آراء تحظر تولي النساء المناصب العليا في الدولة. بعض هؤلاء الأفراد يرفضون قيام دولة إسرائيل نفسها، ويتظاهرون ضد الممارسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة. قد يكون لهذا الرفض تأثير على جزء من الرأي العام الأمريكي الذي كان ينظر إلى هاريس كرمز للقيادة النسائية. رغم أن هذا الرأي يمثل فئة صغيرة من المجتمع، إلا أن تأثيره كان واضحًا في بعض المناطق.
و هذا يعني أن خسارة كامالا هاريس في الانتخابات لم تكن نتيجة سبب واحد، بل هي نتاج مجموعة من العوامل التي تراوحت بين القضايا الاقتصادية والاجتماعية والعقائدية. الأوضاع الاقتصادية الصعبة، والسياسات المثيرة للجدل حول حقوق الأقليات، والمواقف العقائدية الرافضة لوجود امرأة في منصب القيادة، كانت جميعها عوامل ساهمت في تراجع الدعم لها. هذه الخسارة تعكس بشكل عام مدى تعقد المشهد السياسي في الولايات المتحدة، حيث تتداخل القضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لتشكل نتائج الانتخابات.
------------------------------------
بقلم: إلهام عبدالعال