قام الأموات بعظمائهم من المقابر فزعين، أزعجهم أصوات المعاول والمطارق والبلدوزرات،فخرجوا من الأجداث عرايا إلا من بقايا أكفان.
كتب مخبر على عربة موز خلف نظارة شمس في يوم غائم وجلباب يكشف عن حذاء يلمع من الورنيش الأسود في تقريره لرؤسائه: "شوهد بينهم خيالات لقائد ثورة صرخت في وجه الخديوي: لسنا عبيد إحساناتكم، و قاضي للقضاة يقولون عنه ميزان عدل مازال مختلا، ومفكر كاتب ضرير يعتبرونه أنار دروب العلم والآداب، وإمام يعتقدونه حجة في علوم الدين". وأضاف إليهم آخرين، ووصفهم جميعا "بالعناصر الإثارية". ونبه باعتزاز إلى أن المواطنين الشرفاء الحريصين على الوطن والاستقرار لم ينضموا إليهم.
أحال رؤساءالمخبر إلى نيابة أمن السلطان المتهمين بتكدير السلم العام، والخروج في مسيرة تخالف قانون التظاهر المشدد غليظ العقوبات، وبعدما حاولوا مقاومة السلطات بالتشبث بجدران المقابر وأبوابها. وأضاف حضرات كبار العسس: "نفر من عامة الموتى اندس بينهم ليرشدهم إلى ميناء الإسكندرية وقناة السويس عازمين عرقلة حركة الملاحة والمدد للحلفاء من عسكر أولاد العم وقراصنته ".
سجد المؤرخان المقريزي والجبرتي لله شكرا لأنهما لم يعيشا ليشهدا ويكتبا عن قيامة الأموات هذه، وكفي المؤمنين عجائب الأخبار.
وعجايب!
------------------------
بقلم: كارم يحيى