07 - 05 - 2025

كلام والسلام | ساسة وراقصات وطبالون

كلام والسلام | ساسة وراقصات وطبالون

إذا كان رب البيت بالدف ضاربا .. فشيمة أهل البيت كلهم الرقص (المتنبي).

 هتلر زار باريس حين وقعت بقبضته عام1940، وتوجه إلي قبر نابليون بونابرت؛ فانحنى بكل احترام وقال: سامحنى يا نابليون العظيم لأنى دحرت أمتك وألبستها عار الهزيمة، ولكن لا يخفي عليك الأمر. إن أمتك كانت مشغولة بالرقص والموضة وأخذ مقاسات أفخاذ النساء، عندما كانت أمتى مشغولة بأخد مقاسات فوهات المدافع !

وفى مصر .. هناك صورة كاشفة تؤرخ لـهزيمة يونيو؛ وكأنها تشرح سر الهزيمة الخفي، ولم تكن سوى صورة الراقصة زينات علوي؛ وهي ترقص على الجبهة لمجموعة من الجنود والضباط المصريين .. قبيل الحرب بأيام! 

والراقصات هن سفراء لما هو غير ملموس، يترجمن الأفكار والعواطف المجردة إلى جسدية ملموسة.

فالعالمة.. هي الراقصة المتعلمة لفنون الرقص، التي تستطيع أن تؤلف أغان وحركات، ولديها علم بالموسيقى. أما لقب الغوازي فأُطلق على الغجريات، حين غزا الغجر الشرق في طريقهم إلى أوروبا، والمقصود به راقصات الشوارع . 

ومع عهد مصر مع الفرنساوية ومحمد على باشا.. ومع أول احتكاك مع الرجل الأبيض، أبهرت الراقصات المصريات جنود نابليون، ورغم جيش النساء الفرنسيات المرافق للحملة الفرنسية - يقال حوالي 300 امرأة - ؛ تدافع الجنود الفرنسيون خلف الراقصات الشرقيات. وظهرت القصص الشعبية عن بطولات بعضهن بالمشاركة بأعمال المقاومة واستدراج الجنود إلى حتفهم، بل يقال إن بعضهن قُتلن بعد اكتشاف أمرهن؛ ورُميت جثثهن في النيل. وإنه تم قطع رؤوس ألف من الغوازي (راقصات الشوارع) بحجة نقل الفسق إلى الجنود الفرنسيين. الأمر تكرر مع محمد علي باشا الكبير، الذي أصدر قراراً بالسجن والجلد بحقهن، خفف لاحقاً بالنفي إلى إسنا فى الصعيد.

 حينها.. فرت العوالم راقصات الطبقة العليا إلى الشارع واختلطن بالغوازي، مما أدى إلى دمج أسلوبَي الرقص (رقص القصور ورقص الشوارع) وكانت الغلبة لصاحبات الأرض أي الغوازي.

ومع الراقصات.. كان الخلبوص هو صبى الغوازى والراقصات والذى يشاركهن الرقص. ومن الطريف أو العجيب إن بعض هؤلاء المخنثين يعطى رخصة للرقص؛ فنستعجب أن أحدهم كان يعمل فى ورشة؛ ويبدو أنه كان يمارس الرقص حينما يكون لا عمل بتلك الورشة. فقد قبض عليه يرقص بأحد القهاوى، فقال لرجال الضبطية : أنا معايا رخصة ؟ والخلابيص كانوا جواسيس للوالي وجهازه الأمني !

وسياسيو مصر .. لم ينفصلوا يوما عن الراقصات.

فالراقصة قالت للسياسى فى رواية شهيرة لاحسان عبد القدوس : أنا وأنت نرقص . أنا بوسطى وأنت بلسانك.. والناس يصفقون!

تمايلت تحية كاريوكا على أوتار السياسة كما تمايلت على أوتار الموسيقى، وتردد عنها أنها ساعدت الرئيس الراحل  السادات أثناء هروبه بعد مقتل أمين عثمان وزير المالية ، وأخفته في منزل شقيقتها ومزرعة صهرها، وعرف عنها أنها خزنت السلاح في مزرعتها أثناء حرب فلسطين .

واعتقلت الحكومة المصرية كاريوكا أكثر من مرة لنشاطها السياسي بعد ثورة يوليو 1952، ومُنعت من دخول تركيا للعلاج بعد رفضها الرقص أمام الزعيم التركي في بيروت لإهانته السفير المصري.

وفي تعليقها الأول على خبر نجاح الثورة في مصر عام 1952 قالت: راح فاروق .. وجاءت فواريق، في إشارة منها إلى الضباط الأحرار؛ التي رأت أن تصرفاتهم وسلوكهم لن يختلف.. عما كان يقوم به الملك فاروق .

وهناك مقولة لكونفوشيوس تقول: لا تعط سيفا لرجل لا يجيد الرقص. إما أن يستسلم.. وإما أن يتعلم الرقص.  

وأحد هؤلاء الفواريق .. الصاغ صلاح سالم من الضباط الأحرار والذي أرسل إلى الخرطوم ليتولي ملف السودان. وكانت البلاد لا تزال رسمياً مملكة مصر والسودان.

وسمته الصحافة البريطانية بالميجور الراقص، بعد تصويره مرتدياًجلد الحيوان فقط في رقصة الحرب مع مقاتلي قبائل الدنكا في المديرية الاستوائية؛ والتصق التعبير به حتى في خبر نعيه الذي نشر بعد وفاته في 1962

وصعدت للمسرح السياسى برلنتى عبد الحميد.. الممثلة الحسناء التي جمعتها علاقة عاطفية بالمشير عبدالحكيم عامر، وتزوجت منه سرا رغم رفض السلطات. ونشرت قصتها الكاملة في كتاب بعنوان المشير وأنا، والذي حوي تفاصيل سياسية وأسرار عن النكسة.

وكيتى .. لمع اسمها في وقت قصير جدا في عالم الرقص والتمثيل وتحديدا في أفلام إسماعيل ياسين، وقيل إن علاقة حب جمعتها بـرأفت الهجان الذي عمل لصالح المخابرات المصرية ضد إسرائيل، وكتب عنها في مذكراته تحت اسم بيتي التي رحلت فجأة، و انتشرت الأحاديث عن انضمامها لشبكة تجسس إسرائيلية ضد مصر.

وانقطعت أخبارها .. ولم تعد لأسباب غامضة.

أما ليليان كوهين.. فظهرت في العديد من الأفلام المصرية باسم كاميليا. وعرفت بانتمائها إلى اليهودية؛ وترددها على البلاط الملكي الخاص بالملك فاروق، حتى انتشرت شائعات عن وجود علاقة حب بينهما.

كما تردد أن الملك فاروق أخفاها في قصر المنتزه عام 1947 بعدما طلبت مساعدته؛ خوفا من أن تعتقلها السلطات المصرية باعتبارها يهودية، وتواردت أنباء عن اتهامها بالتجسس؛ قبل أن تموت فى حادثة طائرة .. وهى فى طريقها للتمثيل فى هوليوود! 

ولان قليلا من الرقص .. يصلح مزاج الساسة. رقصت نجوى فؤاد علي ترابيزة كارتر خلال زيارته لمصر.

وفتن ثعلب السياسة الأمريكية هنري كيسنجر بها من أول رقصة ، خلال زيارته لمصر بعد حرب 1973. و كتب عنها في مذكراته، ووصفها بأنها أجمل شيء رآه على الإطلاق في القاهرة.

وليس الراقصات هن فقط من أكلن التورتة.. فقد نال الطبالون .. قضمة منها.

ففى الراقصة والطبال.. عظة لكل طبال !

فقد أتى عبده الطبال براقصة لم يكن يعرفها أحد؛ وأوصلها لتبقى راقصة مشهورة ولها اسم .

وظن عبده أته استطاع بتطبيله إعطاء شىء بلا قيمة .. قيمة.وأنه بذلك أصبح له أيضا قيمة! وانه وضع قواعد وأسسا للتطبيل .

 لكن اصطدم بالواقع..  فمهما عمل ومهما حاول أن يعطى للشىء قيمة .. فإنه مجرد طبال ؟! 
---------------------------
بقلم: خالد حمزة
[email protected]

مقالات اخرى للكاتب

كلام والسلام | لا أحد ينام في مصر